وَقِيلَ: تَحْتَكَ أَيْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَحْتَ أَمْرِكِ إِنْ أَمَرْتِيهِ أَنْ يَجْرِيَ جَرَى وَإِنْ أَمَرْتِيهِ بِالْإِمْسَاكِ أَمْسَكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُمَا: ضَرَبَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَيُقَالُ [ضَرَبَ] [١] عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ فَظَهَرَتْ عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ وَجَرَى. وَقِيلَ: كَانَ هُنَاكَ نَهْرٌ يَابِسٌ أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِ الْمَاءَ وَحَيِيَتِ النَّخْلَةُ الْيَابِسَةُ، فَأَوْرَقَتْ وَأَثْمَرَتْ وَأَرْطَبَتْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَحْتَكِ سَرِيًّا يَعْنِي عِيسَى وَكَانَ وَاللَّهِ عَبْدًا سَرِيًّا يعني رفيعا.
وَهُزِّي إِلَيْكِ، يَعْنِي قِيلَ لِمَرْيَمَ حَرِّكِي بِجِذْعِ النَّخْلَةِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: هزّه وهزّ به، كما تقول:
حَزَّ رَأْسَهُ وَحَزَّ بِرَأْسِهِ، وَأَمْدَدَ الْحَبَلَ وَأَمْدَدَ بِهِ، تُساقِطْ عَلَيْكِ، الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وتشديد السين، يعني تَتَسَاقَطُ، فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي السين يعني تُسْقِطُ عَلَيْكِ النَّخْلَةُ رُطَبًا، وَخَفَّفَ [٢] حَمْزَةُ السِّينَ وَحَذَفَ التَّاءَ الَّتِي أَدْغَمَهَا غَيْرُهُ.
وَقَرَأَ حَفْصٌ بِضَمِّ التاء وكسر القاف خفيف عَلَى وَزْنِ تَفَاعُلٍ وتُسَاقِطُ بِمَعْنَى أَسْقَطَ، وَالتَّأْنِيثُ لِأَجْلِ النَّخْلَةِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ يَسَّاقَطُ بِالْيَاءِ مُشَدَّدَةً رِدَّةً إِلَى الْجِذْعِ، رُطَباً جَنِيًّا، مَجْنِيًّا. وَقِيلَ: الْجَنْيُ هُوَ الَّذِي بَلَغَ الْغَايَةَ، وَجَاءَ أَوَانَ اجْتِنَائِهِ.
قَالَ الربيع بن خيثم: مَا لِلنُّفَسَاءِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنَ الرُّطَبِ، وَلَا لِلْمَرِيضِ خَيْرٌ مِنَ الْعَسَلِ.
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَكُلِي وَاشْرَبِي، أَيْ: فَكُلِي يَا مَرْيَمُ مِنَ الرُّطَبِ وَاشْرَبِي مِنْ مَاءِ النَّهْرِ، وَقَرِّي عَيْناً، أَيْ: طِيبِي نَفْسًا، وَقِيلَ: قَرِّي عَيْنَكِ بِوَلَدِكِ عِيسَى. يُقَالُ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ يعني صَادَفَ فُؤَادَكَ مَا يُرْضِيكَ، فَتَقَرُّ عينك من النظر إليه [٣]. وَقِيلَ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ يَعْنِي أَنَامَهَا، يُقَالُ: قَرَّ يَقِرُّ إِذَا سَكَنَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْعَيْنَ إِذَا بَكَتْ مِنَ السُّرُورِ فَالدَّمْعُ بَارِدٌ، وَإِذَا بَكَتْ مِنَ الْحُزْنِ فَالدَّمْعُ يَكُونُ حَارًّا، فَمِنْ هَذَا قِيلَ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ وَأَسْخَنَ اللَّهُ عَيْنَهُ. فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً، أَيْ تَرَيْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نُونُ التَّأْكِيدِ فَكُسِرَتِ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، مَعْنَاهُ: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَيَسْأَلُكِ عَنْ وَلَدِكِ [٤] فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً، يعني: صَمْتًا، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكَلَامِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ في بني إسرائيل من إذا أَرَادَ أَنْ يَجْتَهِدَ صَامَ عَنِ الْكَلَامِ كَمَا يَصُومُ عَنِ الطَّعَامِ فَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يُمْسِيَ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمْرَهَا أَنْ تَقُولَ هَذَا إِشَارَةً. وَقِيلَ: أَمَرَهَا أَنْ تَقُولَ هَذَا الْقَدْرَ نُطْقًا ثُمَّ تُمْسِكُ عَنِ الْكَلَامِ بَعْدَهُ، فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا، يُقَالُ كَانَتْ تُكَلِّمُ الْمَلَائِكَةَ وَلَا تُكَلِّمُ الْإِنْسَ.
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ، وقيل: إنها ولدته ثم حملته إلى قومها في الحال. وقال الكلبي: احتمل [٥] يوسف النجار مريم عليها السلام وابنها [٦] إلى غار مكثت أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى طَهُرَتْ مِنْ نفاسها، ثم حملته
(٢) في المخطوط «وحذف».
(٣) في المخطوط «إلى غيره».
(٤) تصحف في المطبوع «وعدك».
(٥) في المخطوط وط «حمل».
(٦) زيد في المطبوع وحده «عيسى صلوات الله على نبينا وعليه».