فَعَجِبَ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ وَاشْتَاقَ إِلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَاسْتَأْذَنَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي زِيَارَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ فَأَتَاهُ فِي صُورَةِ بَنِي آدَمَ، وَكَانَ إِدْرِيسُ يَصُومُ الدَّهْرَ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ إِفْطَارِهِ دَعَاهُ إِلَى طَعَامِهِ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَأَنْكَرَهُ إدريس، فقال له [إدريس] [١] في اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْلَمَ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ:
أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَصْحَبَكَ، قَالَ: فَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، قال: وما وهي؟ قَالَ: تَقْبِضُ رُوحِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اقْبِضْ رَوْحَهُ، فَقَبَضَ روحه وردها إليه بعد ساعة [بإذن الله تعالى] [٢] قَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ: مَا الفائدة في سؤالك قَبْضِ الرُّوحِ؟ قَالَ لِأَذُوقَ كَرْبَ الموت وغيمته فأكون [٣] أَشَدَّ اسْتِعْدَادًا لَهُ، ثُمَّ قَالَ إِدْرِيسُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً أُخْرَى، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَرْفَعُنِي إِلَى السَّمَاءِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهَا وَإِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَأَذِنَ الله [له] [٤] فِي رَفْعِهِ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنَ النار قال: لِي [إِلَيْكَ] [٥] حَاجَةً أُخْرَى، قَالَ: وَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: تَسْأَلُ مَالِكًا أن يَفْتَحَ لِي أَبْوَابَهَا فَأَرِدُهَا فَفَعَلَ ثم قال: فكما أَرَيْتَنِي النَّارَ فَأَرِنِي الْجَنَّةَ، فَذَهَبَ به إلى الجنة فاستفتح فَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قال له مَلَكُ الْمَوْتِ: اخْرُجْ لِتَعُودَ إِلَى مَقَرِّكَ، فَتَعَلَّقَ بِشَجَرَةٍ وَقَالَ: لَا أَخْرُجُ مِنْهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا حكما بَيْنَهُمَا، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: مَا لَكَ لَا تَخْرُجُ؟ قَالَ:
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، وَقَدْ ذُقْتُهُ، وَقَالَ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مَرْيَمَ: ٧١]، وَقَدْ وَرَدْتُهَا، وَقَالَ: وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ [الحجر: ٤٨]، فلست أخرج [حين دخلتها] [٦] فَأَوْحَى اللَّهُ [إِلَى] [٧] مَلَكِ الْمَوْتِ: بِإِذْنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَبِأَمْرِي لَا يخرج، فهو حي هناك، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧).
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)
أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، أَيْ إِدْرِيسَ وَنُوحًا، وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ، أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ فِي السفينة، يريد إبراهيم لأنه [من] [٨] ولد سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ، يُرِيدُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، قَوْلُهُ: وَإِسْرائِيلَ، أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ وَزَكَرِيَّا ويحيى، وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا، هَؤُلَاءِ كَانُوا مِمَّنْ أَرْشَدْنَا وَاصْطَفَيْنَا، إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا، سُجَّدًا جَمْعُ سَاجِدٍ وَبُكِيًّا جَمْعُ بَاكٍ، أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا بِآيَاتِ الله سجدوا وبكوا.
قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، أَيْ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّينَ الْمَذْكُورِينَ خَلْفٌ وَهُمْ قَوْمُ سُوءٍ وَالْخَلَفُ بِالْفَتْحِ الصَّالِحُ وَبِالْجَزْمِ الطَّالِحُ، قَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ بِهِمُ الْيَهُودَ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هُمْ قوم فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَضاعُوا الصَّلاةَ أي: تَرَكُوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ: أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُوَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَصْرُ وَلَا الْعَصْرَ حَتَّى تغرب الشمس،

(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «وغمه لأكون».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) سقط من المطبوع.


الصفحة التالية
Icon