الزَّجَّاجُ: هَذَا مِنْ صِفَةِ نَاصِرِيهِ ومعنى مكناهم نصرناهم على عدوهم حتى تمكنوا فِي الْبِلَادِ قَالَ [قَتَادَةُ] [١] هُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. قال الحسن: هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ
، يعني: آخَرُ أُمُورِ الْخَلْقِ وَمَصِيرُهُمْ إِلَيْهِ يَعْنِي يُبْطَلُ كُلُّ مُلْكٍ سِوَى ملكه فتصير الأمور [كلها] [٢] إِلَيْهِ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَا مُدَّعٍ.
قوله تعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ، يُعَزِّي نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ.
وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣).
وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ، يعني: أَمْهَلْتُهُمْ وَأَخَّرْتُ عُقُوبَتَهُمْ، ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ، عاقبتهم، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ، يعني: إِنْكَارِي، أَيْ: كَيْفَ أَنْكَرْتُ عَلَيْهِمْ مَا فَعَلُوا مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْعَذَابِ وَالْهَلَاكِ يُخَوِّفُ بِهِ مَنْ يُخَالِفُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكَذِّبُهُ.
فَكَأَيِّنْ، فَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها، بِالتَّاءِ، هَكَذَا قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَيَعْقُوبُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ «أَهْلَكْنَاهَا» بِالنُّونِ وَالْأَلِفِ عَلَى التَّعْظِيمِ، وَهِيَ ظالِمَةٌ، يعني: وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ، فَهِيَ خاوِيَةٌ سَاقِطَةٌ عَلى عُرُوشِها، عَلَى سُقُوفِهَا، وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ: يعني وكم بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ مَتْرُوكَةٍ مُخْلَاةٍ عَنْ أَهْلِهَا وَقَصْرٍ مَشِيدٍ، قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: رَفِيعٌ طَوِيلٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ شَادَ بِنَاءَهُ إِذَا رَفَعَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: مُجَصَّصٌ مِنَ الشَّيْدِ [٣]، وَهُوَ الجهد. وَقِيلَ: إِنَّ الْبِئْرَ الْمُعَطَّلَةَ وَالْقَصْرَ الْمَشِيدَ بِالْيَمَنِ، أَمَّا الْقَصْرُ فَعَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ وَالْبِئْرُ فِي سَفْحِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْمٌ كَانُوا فِي نِعْمَةٍ فَكَفَرُوا فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَبَقِيَ الْبِئْرُ وَالْقَصْرُ خَالِيَيْنِ. وَرَوَى أَبُو رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ هَذِهِ الْبِئْرَ كَانَتْ بِحَضْرَمَوْتَ فِي بَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا حَاضُورَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَرْبَعَةَ آلَافِ نَفَرٍ مِمَّنْ آمَنَ بِصَالِحٍ نَجَوْا مِنَ الْعَذَابِ أَتَوْا حَضْرَمَوْتَ وَمَعَهُمْ صَالِحٌ فَلَمَّا حَضَرُوهُ مَاتَ صَالِحٌ، فَسُمِّيَ حَضْرَمَوْتُ لأن صالحا لما حضره مات فبنوا [القرية وسميت] [٤] حَاضُورَاءَ وَقَعَدُوا عَلَى هَذِهِ الْبِئْرِ وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ رَجُلًا فَأَقَامُوا دَهْرًا وَتَنَاسَلُوا حَتَّى كَثُرُوا، ثُمَّ إِنَّهُمْ عبدوا الأصنام وكفروا [بخالق الأرض والسماوات] [٥] فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ [٦] نَبِيًّا يُقَالُ له حنظلة بن صفوان وكان حَمَّالًا فِيهِمْ فَقَتَلُوهُ فِي السُّوقِ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَعُطِّلَتْ بِئْرُهُمْ وَخُرِّبَتْ قصورهم.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي: كَفَّارَ مَكَّةَ فَيَنْظُرُوا إِلَى مَصَارِعِ الْمُكَذِّبِينَ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها، يَعْنِي: مَا يُذْكَرُ لَهُمْ مِنْ أَخْبَارِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا، فَإِنَّها، الْهَاءُ عِمَادٌ، لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ، ذَكَرَ الَّتِي فِي الصدور تأكيدا
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «مشيد».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «عليهم».