وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ ظَانِّينَ وَمُقَدِّرِينَ أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَنَا بِزَعْمِهِمْ أَنْ لَا بَعْثَ وَلَا نُشُورَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ، وَمَعْنَى يُعْجِزُونَنَا أَيْ يَفُوتُونَنَا فَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا [الْعَنْكَبُوتِ: ٤]، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ، وَقِيلَ: مُعَاجِزِينَ مُغَالِبِينَ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يظهر عجز صاحبه.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، الْآيَةَ.
«١٤٦٧» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: لَمَّا رَأَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَلِّي قَوْمِهِ عَنْهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ اللَّهِ تَمَنَّى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ مَا يُقَارِبُ بَيْنَهُ
- وورد عن ابن عباس أخرجه البزار ٢٢٦٣ «كشف» والطبراني ١٢٤٥٠ ومداره على أمية بن خالد القيسي، وهو وإن وثقه الجمهور، فقد فعل الذهبي في «الميزان» ١٠٢٩ عن أحمد أنه لم يحمده، وذكره العقيلي في «الضعفاء» وقد روى هذا الحديث غيره عن سعيد بن جبير مرسلا ليس فيه ذكر ابن عباس.
وللحديث علة أخرى وهي: قال البزار: لا نعلمه يروى بإسناد متصل يجوز ذكره إلّا بهذا الإسناد، وأمية بن خالد ثقة مشهور، وإنما يعرف هذا من حديث الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس اهـ.
- قلت: والكلبي متروك متهم، وأبو صالح لم يلق ابن عباس.
- وورد عن ابن عباس من وجه آخر أخرجه الطبري ٢٥٣٣٣ وفيه عطية العوفي منكر الحديث وعنه مجاهيل.
- وورد من مرسل سعيد بن جبير أخرجه الطبري ٢٥٣٣١ و٢٥٣٣٢.
- وكرره ٢٥٣٢٩ من مرسل أبي العالية.
وبرقم ٢٥٣٣٤ من مرسل الضحاك.
وبرقم ٢٥٣٢٨ من مرسل محمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس.
- وورد من مرسل عروة أخرجه الطبراني ٥٠٧٨ ومع إرساله فيه ابن لهيعة قال الهيثمي في «المجمع» ١١١٨٦: فيه ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة اهـ- أي لنكارة المتن الذي ساقه، فإن فيه رجوع بعض من هاجر إلى الحبشة إلى المدينة بسبب هذا الخبر.
الخلاصة: هذه مراسيل واهية، المتصل منها لا يصح، وقد حكم ببطلان قصة الغرانيق القاضي أبو بكر بن العربي، وكذا الشوكاني والبيهقي وابن إسحاق صاحب «السيرة» حيث سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة.
نقله أبو حيان في «البحر» وقال أبو منصور الماتريدي: هذا الخبر من إيحاء الشيطان إلى أوليائه الزنادقة، والرسالة بريئة من هذه الرواية.
وقال القاضي عياض: يكفيك أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل.
وقال العلامة الألوسي: ويكفي في ردها قول الله تعالى في وصف القرآن لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ.
وقال الحافظ ابن كثير: هي من طرق كلها مرسلة، ولم أرها من وجه صحيح. والله أعلم.
قلت: والمراسيل في هذا المقام مردودة لا يحتج بها، وهذا خبر قد اضطربوا في ألفاظه، وهو خبر موضوع مفترى.
انظر «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية بتخريجي و «أحكام القرآن» ١٥١٧ و «الكشاف» ٧١٣ و «فتح القدير» ١٦٨١ وهي جميعا بتخريجي، ولله الحمد والمنة.