لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٢]. بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ، بِمَا يُذَكِّرُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ بِمَا فِيهِ فَخْرُهُمْ وَشَرَفُهُمْ يَعْنِي الْقُرْآنَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠]، أَيْ: شَرَفُكُمْ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزُّخْرُفِ: ٤٤]، أَيْ: شَرَفٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ. فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ، يَعْنِي عَنْ شَرَفِهِمْ، مُعْرِضُونَ.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٧٢ الى ٧٩]
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)
حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ، عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، خَرْجاً، أَجْرًا وَجُعْلًا، فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ، يعني مَا يُعْطِيكَ اللَّهُ مِنْ رِزْقِهِ وَثَوَابِهِ خَيْرٌ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، قرأ حمزة والكسائي «خراجا» «فخرج» كِلَاهُمَا بِالْأَلِفِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ كلاهما بغير ألف وقرأ الباقون [١] «خَرْجًا» بِغَيْرِ أَلِفٍ «فَخَرَاجُ» بِالْأَلِفِ.
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣)، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ، أَيْ عَنْ دِينِ الْحَقِّ، لَناكِبُونَ، لَعَادِلُونَ مَائِلُونَ.
وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ، قَحْطٍ وَجُدُوبَةٍ لَلَجُّوا، تَمَادَوْا، فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ، وَلَمْ يُنْزَعُوا عَنْهُ.
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ.
«١٤٨٥» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِّيِّ يُوسُفَ فَأَصَابَهُمُ الْقَحْطُ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؟ فَقَالَ: «بَلَى»، فَقَالَ:
قَدْ قَتَلْتَ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ والأبناء بالجوع [فأين الرحمة] [٢] فَادْعُ اللَّهَ أَنَّ يَكْشِفَ عَنَّا هَذَا الْقَحْطَ، فَدَعَا فَكَشَفَ عَنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ، أَيْ: مَا خَضَعُوا وَمَا ذَلُّوا لِرَبِّهِمْ، وَأَصْلُهُ طَلَبُ السُّكُونِ، وَما يَتَضَرَّعُونَ، أَيْ: لَمْ يَتَضَرَّعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بَلْ مَضَوْا على تمردهم.
- وورد من وجه آخر بنحوه عن ابن عباس قال: «جاء أَبُو سُفْيَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز- يعني الوبر، والدم- فأنزل الله وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ....
أخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٣٥٢ وفي «التفسير» ٣٧٢ والطبري ٢٥٦٣٢ والواحدي ٦٢٩ والطبراني ١١/ ٣٧٠ ح ١٢٠٣٨ والحاكم ٢/ ٣٩٤ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٩٠ من وجوه عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابن عباس به، وهو حديث حسن بطرقه.
- ويشهد لأصله ما أخرجه البخاري ٤٨٢٤ ومسلم ٢٧٩٨ والترمذي ٣٢٥٤ وأحمد ١/ ٣٨٠ من حديث ابن مسعود وفيه «.... اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يوسف... ».
(١) في المطبوع «الآخرون».
(٢) زيادة عن المخطوط.