حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذابٍ شَدِيدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْقَتْلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَوْتُ. وَقِيلَ: هُوَ قِيَامُ السَّاعَةِ، إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ، آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ.
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ، أي: الْأَسْمَاعَ [١] وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ، لِتَسْمَعُوا وَتُبْصِرُوا وَتَعْقِلُوا، قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ، أَيْ: لَمْ تَشْكُرُوا هَذِهِ النِّعَمَ.
وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ، خَلَقَكُمْ، فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، تبعثون.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٨٠ الى ٨٨]
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ مَا قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨)
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، أَيْ: تَدْبِيرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: جَعَلَهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، أَفَلا تَعْقِلُونَ، مَا تَرَوْنَ مِنْ صَنْعَةٍ فَتُعْتَبَرُونَ.
بَلْ قالُوا مِثْلَ مَا قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١)، أَيْ: كَذَّبُوا كَمَا كذب الأولون.
قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢)، لمحشرون، قَالُوا ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ.
لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا، الْوَعْدَ، مِنْ قَبْلُ، أَيْ: وَعَدَ آبَاءَنَا قَوْمٌ ذَكَرُوا [٢] أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ فَلَمْ نَرَ لَهُ حَقِيقَةً، إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أَكَاذِيبُ الْأَوَّلِينَ.
قُلْ، يَا مُحَمَّدُ مُجِيبًا لَهُمْ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها، مِنَ الْخَلْقِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، خَالِقَهَا وَمَالِكَهَا.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ. قُلْ لَهُمْ إِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ، فَتَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا ابْتِدَاءً يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَائِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦).
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ، قَرَأَ الْعَامَّةُ «لِلَّهِ» وَمِثْلُهُ مَا بَعْدَهُ فَجَعَلُوا الْجَوَابَ عَلَى الْمَعْنَى كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلرَّجُلِ:
مَنْ مَوْلَاكَ؟ فيقول: فلان [٣]، أَيْ أَنَا لِفُلَانٍ وَهُوَ مَوْلَايَ، وقرأ أهل البصرة فيها «اللَّهُ» وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَفِي سَائِرِ الْمَصَاحِفِ مَكْتُوبٌ بِالْأَلِفِ كَالْأَوَّلِ، قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، تَحْذرُونَ.
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ والملكوت الْمُلْكُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهُوَ يُجِيرُ، أَيْ: يُؤَمِّنُ مَنْ يَشَاءُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ، أَيْ: لَا يُؤمَّنُ مَنْ أَخَافُهُ اللَّهُ أَوْ يَمْنَعُ هُوَ مِنَ السُّوءِ مَنْ يَشَاءُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَجِيبُوا إِنْ كُنْتُمْ تعلمون.
(٢) في المطبوع «زعموا».
(٣) في المخطوط «فلان».