واختلف الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَحُكْمِهَا.
«١٤٩٠» فَقَالَ قَوْمٌ: قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ وَفِيهِمْ فُقَرَاءُ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا عَشَائِرَ، وَبِالْمَدِينَةِ نِسَاءٌ بَغَايَا يُكْرِينَ أَنْفُسَهُنَّ وَهُنَّ يَوْمَئِذٍ أَخْصَبُ أهل المدينة فرغب ناس مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي نِكَاحِهِنَّ لِيُنْفِقْنَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا تِلْكَ الْبَغَايَا لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُشْرِكَاتٍ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَرِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
«١٤٩١» وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءٍ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، مِنْهُنَّ تِسْعٌ لَهُنَّ رَايَاتٌ كَرَايَاتِ الْبِيطَارِ يُعْرَفْنَ بِهَا، مِنْهُنَّ أُمُّ مَهْزُولٍ جَارِيَةُ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السائب المخزومي، فكان الرَّجُلُ يَنْكِحُ الزَّانِيَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يتخذها مالكة، فَأَرَادَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِكَاحِ أُمِّ مَهْزُولٍ وَاشْتَرَطَتْ لَهُ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
«١٤٩٢» وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يأتي بهم المدينة وكان بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ، وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَتَى مَكَّةَ دَعَتْهُ عَنَاقُ إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ مَرْثَدٌ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا، قَالَتْ: فَانْكِحْنِي، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أنكح عناقا؟ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ: وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فدعاني النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ وَقَالَ لِي: «لَا تَنْكِحْهَا».
فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ كَانَ التَّحْرِيمُ خَاصًّا فِي حَقِّ أُولَئِكَ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ مِنَ النِّكَاحِ هُوَ الْجِمَاعُ، ومعناه أن الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ وَالزَّانِيَةُ لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ بن مزاحم. ورواه الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: إِنْ جَامَعَهَا وَهُوَ مُسْتَحِلٌّ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ جَامَعَهَا وَهُوَ مُسْتَحِلٌّ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ جَامَعَهَا وَهُوَ مُحَرِّمٌ فَهُوَ زَانٍ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُحَرِّمُ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ وَيَقُولُ: إِذَا تَزَوَّجَ الزَّانِي بِالزَّانِيَةِ فَهُمَا زَانِيَانِ أَبَدًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: الزَّانِي الْمَجْلُودُ لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مَجْلُودَةً وَالزَّانِيَةُ الْمَجْلُودَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ مجلود، وقال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ حكم الآية منسوخ، كان نِكَاحُ الزَّانِيَةِ حَرَامًا بِهَذِهِ الْآيَةِ فنسخها قوله: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ

١٤٩٠- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٣٠ وفي «الوسيط» ٣/ ٣٠٤ نقلا عن المفسرين بدون إسناد.
- وأخرجه ابن حاتم كما في «الدر» ٥/ ٣٨ عن مقاتل وهذا مرسل، ولا يصح، وانظر ما بعده.
١٤٩١- ذكره المصنف هاهنا تعليقا عن عكرمة وسنده إليه في أول الكتاب.
- وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٣١ عن عكرمة بدون إسناد.
- وانظر ما بعده.
١٤٩٢- حسن. أخرجه أبو داود ٢٠٥١ والترمذي ٣١٧٧ والنسائي ٣٢٢٨ والحاكم ٢/ ١٦٦ والبيهقي ٧/ ١٥٣ من حديثه عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده، وإسناده إلى عمرو صحيح، فالحديث حسن للاختلاف المعروف في عمرو عن آبائه.
- وأخرجه الطبري ٢٥٧٤٧ من طريق رجل عن عمرو بن شعيب مرسلا، وهذا ضعيف، فهو لا يعلل الموصول، وقد صحيح الموصول الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي.
ولهذه الأحاديث روايات كثيرة مرسلة عند الطبري لكن من دون ذكر لأسماء معينة، وانظر «أحكام القرآن» ١٥٤٩ و١٥٥٠.


الصفحة التالية
Icon