عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْأَصْنَامَ ثُمَّ يُخَاطِبُهُمْ [١]، فَيَقُولُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِالنُّونِ وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ، أخطأوا الطريق.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
قالُوا سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)
قالُوا سُبْحانَكَ، نَزَّهُوا اللَّهَ مِنْ أن يكون معه آلهة، مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ، يَعْنِي مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُوَالِيَ أَعْدَاءَكَ بَلْ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ. وَقِيلَ: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْمُرَهُمْ بِعِبَادَتِنَا وَنَحْنُ نَعْبُدُكَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «أَنْ نُتَّخَذَ» بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْخَاءِ فَتَكُونُ «مِنْ» الثَّانِي صِلَةٌ، وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ، فِي الدُّنْيَا بِطُولِ الْعُمْرِ وَالصِّحَّةِ وَالنِّعْمَةِ، حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ، تَرَكُوا الْمَوْعِظَةَ وَالْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ: تَرَكُوا ذِكْرَكَ وَغَفَلُوا عَنْهُ، وَكانُوا قَوْماً بُوراً، يَعْنِي هَلْكَى غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ وَالْخِذْلَانُ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بَائِرٌ، وَقَوْمٌ بُورٌ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَوَارِ وَهُوَ الْكَسَادُ وَالْفَسَادُ، وَمِنْهُ بَوَارُ السِّلْعَةِ وَهُوَ كَسَادُهَا. وَقِيلَ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ كَالزُّورِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكِّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ، هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: كَذَّبَكُمُ الْمَعْبُودُونَ، بِما تَقُولُونَ، إِنَّهُمْ آلِهَةٌ، فَما تَسْتَطِيعُونَ، قَرَأَ حَفْصٌ بِالتَّاءِ يَعْنِي الْعَابِدِينَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ يَعْنِي: الْآلِهَةُ. صَرْفاً يعني صرف الْعَذَابِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلا نَصْراً يَعْنِي وَلَا نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: وَلَا نَصْرَكُمْ أَيُّهَا الْعَابِدُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِدَفْعِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ وَقِيلَ الصَّرْفُ الْحِيلَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: إِنَّهُ لِيَصْرِفَ أَيْ يَحْتَالُ، وَمَنْ يَظْلِمْ، يُشْرِكْ، مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، يَا مُحَمَّدُ، إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ.
«١٥٥٦» رَوَى الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا عَيَّرَّ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ.
يَعْنِي مَا أَنَا إِلَّا رَسُولٌ وَمَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَهُمْ كَانُوا بَشَرًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا قِيلَ لَهُمْ مِثْلَ هَذَا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً، أَيْ بَلِيَّةً فَالْغَنِيُّ فِتْنَةً لِلْفَقِيرِ، يَقُولُ الْفَقِيرَ مَا لِي لَمْ أَكُنْ مَثَلَهُ، وَالصَّحِيحُ فِتْنَةً لِلْمَرِيضِ، وَالشَّرِيفُ فِتْنَةً لِلْوَضِيعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ جَعَلْتُ بَعْضَكُمْ بَلَاءً لِبَعْضٍ لِتَصْبِرُوا عَلَى مَا تَسْمَعُونَ مِنْهُمْ، وَتَرَوْنَ مِنْ خِلَافِهِمْ [٢]، وَتَتْبَعُوا الْهُدَى.
وجويبر متروك، والضحاك لم يلق ابن عباس.
(١) في المخطوط «يخاطبها».
(٢) في المخطوط «أخلاقكم».