يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: فِي الْقِيَامَةِ. لَا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ، لِلْكَافِرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُبَشِّرُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ لَا بُشْرَى لَكُمْ، هَكَذَا قَالَ عَطِيَّةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُشْرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُجْرِمِينَ، أَيْ لَا بِشَارَةَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، كَمَا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُونَ. وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا خَرَجَ الْكُفَّارُ مِنْ قُبُورِهِمْ قَالَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ: حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَيْكُمْ أن تكون لَكُمُ الْبُشْرَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا قَوْلُ الْكُفَّارِ لِلْمَلَائِكَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا نَزَلَتْ بهم شدة ورأوا مَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا حِجْرًا مَحْجُورًا، فَهُمْ يَقُولُونَهُ إِذَا عَايَنُوا الْمَلَائِكَةَ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي عَوْذًا مُعَاذًا يَسْتَعِيذُونَ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
وَقَدِمْنا، وَعَمَدْنَا، إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً، أَيْ باطلا لا ثواب له، لأنهم [١] لَمْ يَعْمَلُوهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْهَبَاءِ قَالَ عَلَيٌّ: هُوَ مَا يُرَى فِي الْكُوَّةِ إِذَا وَقَعَ ضَوْءُ الشَّمْسِ فِيهَا كالغبار [فلا] [٢] يَمَسُّ بِالْأَيْدِي، وَلَا يْرَى فِي الظِّلِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ ومجاهد، والمنثور:
والمفرّق، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ مَا تَسَفِّيهِ الرِّيَاحُ وَتَذْرِيهِ مِنَ التُّرَابِ وَحُطَامِ الشَّجَرِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ مَا يَسْطَعُ مِنْ حَوَافِرِ الدَّوَابِّ عِنْدَ السَّيْرِ. وَقِيلَ: الْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ مَا يرى في الكوة والهباء الْمُنْبَثُّ هُوَ مَا تُطَيِّرُهُ الرِّيَاحُ من سنابك الخيل.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢٤ الى ٢٩]
أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا أَيْ: مِنْ هؤلاء المشركين المستكبرين وَأَحْسَنُ مَقِيلًا، مَوْضِعَ قَائِلَةٍ يَعْنِي [أن] [٣] أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَمُرُّ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا قَدْرَ النَّهَارِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى وَقْتِ الْقَائِلَةِ حَتَّى يَسْكُنُوا مَسَاكِنَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقِيلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ، وَقَرَأَ «ثُمَّ إن مقيلهم لا إلى الْجَحِيمِ» [٤] هَكَذَا كَانَ يَقْرَأُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْحِسَابُ ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي أَوَّلِهِ. وَقَالَ الْقَوْمُ: حِينَ قَالُوا فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: القيلولة والمقيل الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ نَوْمٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَالْجَنَّةُ لَا نَوْمَ فِيهَا. وَيُرْوَى أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقْصَرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُونَ كَمَا بَيْنَ العصر إلى غروب الشمس.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ، أَيْ عَنِ الْغَمَامِ الْبَاءُ وَعَنْ يَتَعَاقَبَانِ كَمَا يُقَالُ رميت عن
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «الجنة».