دُعَاءً، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ» وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اسْتَجِبْ دُعَائِي.
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَغْفَرَ لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا غَيْرُ مُؤْمِنَيْنِ؟ قِيلَ قَدْ قِيلَ إِنَّ أُمَّهُ أَسْلَمَتْ، وَقِيلَ: أَرَادَ إِنْ أَسْلَمَا وَتَابَا [١]، وَقِيلَ: قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُ أَبِيهِ وَقَدْ بَيَّنَ الله عذر خليله فِي اسْتِغْفَارِهِ لِأَبِيهِ فِي سُورَةِ التوبة [١١٤]. وَلِلْمُؤْمِنِينَ، أي: واغفر لِلْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ، يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ، أَيْ: يَبْدُو وَيَظْهَرُ. وَقِيلَ: أَرَادَ [٢] يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِلْحِسَابِ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحِسَابِ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا.
قَوْلُهُ تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ. الْغَفْلَةُ مَعْنًى يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الأمور و [في] الآية تسلية للمظلوم وَتَهْدِيدٌ لِلظَّالِمِ [٣]، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ، أَيْ لَا تُغْمَضُ مِنْ هَوْلِ مَا تَرَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ [٤] : تَرْتَفِعُ وتزول عن أماكنها.
مُهْطِعِينَ، قَالَ قَتَادَةُ: مُسْرِعِينَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْإِهْطَاعُ النَّسَلَانُ كعدو الذئب، قال مُجَاهِدٌ: مُدِيمِي النَّظَرِ.
وَمَعْنَى الْإِهْطَاعِ أَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَلَا يَعْرِفُونَ مَوَاطِنَ أَقْدَامِهِمْ، مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ، أي: رافعي رؤوسهم.
قال القتيبي: المقنع الذي برفع رأسه ويقبل بصره عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَقَالَ الحسن: وجوه الناس يومئذ إِلَى السَّمَاءِ لَا يَنْظُرُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ، لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ، لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ مِنْ شدة النظر، فهي شَاخِصَةٌ قَدْ شَغَلَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ، أَيْ:
خَالِيَةٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: خَرَجَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ [٥] صُدُورِهِمْ فَصَارَتْ فِي حَنَاجِرِهِمْ، لَا تخرج عن أفواههم ولا تعود إلى مكانها، فَالْأَفْئِدَةُ هَوَاءٌ لَا شَيْءَ فِيهَا وَمِنْهُ سُمِّيَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هَوَاءٌ لِخُلُوِّهِ [٦]، وَقِيلَ:
خَالِيَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُ من الخوف.
وقال الأخفش: جوفا لَا عُقُولَ لَهَا. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كل أجوف خلو هَوَاءً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ أَيْ: مُتَرَدِّدَةٌ تَمُورُ فِي أَجْوَافِهِمْ لَيْسَ لَهَا مَكَانٌ تَسْتَقِرُّ فِيهِ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْقُلُوبَ زَائِلَةٌ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَالْأَبْصَارَ شَاخِصَةٌ [٧] مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٤]
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤)
وَأَنْذِرِ النَّاسَ، خَوِّفْهُمْ، يَوْمَ، أَيْ: بيوم، يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ، [و] هو يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، أَشْرَكُوا، رَبَّنا أَخِّرْنا، أَمْهِلْنَا، إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، هَذَا سُؤَالُهُمُ الرَّدُّ إلى الدنيا، أي:
(٢) زيد في المطبوع «يوم الحساب». [.....]
(٣) العبارة في المطبوع وط «والآية لتسلية المظلوم».
(٤) زيد في المخطوط «لا».
(٥) في المخطوط «من».
(٦) في المطبوع «الخلو».
(٧) في المخطوط «خاشعة».