وَرَوَى جُوَيْبِرٌ وَمُقَاتِلٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ آصَفَ قَالَ لِسُلَيْمَانَ حِينَ صَلَّى مُدَّ عَيْنَيْكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ طَرْفُكَ، فَمَدَّ سُلَيْمَانُ عَيْنَيْهِ، فَنَظَرَ نَحْوَ اليمين فدعا آصَفُ فَبَعَثَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلُوا السَّرِيرَ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ يَخُدُّونَ بِهِ خَدًّا حَتَّى انْخَرَقَتِ الْأَرْضُ بِالسَّرِيرِ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَرَّ آصَفُ سَاجِدًا وَدَعَا بسم الله الأعظم فغار عَرْشُهَا تَحْتَ الْأَرْضِ حَتَّى نَبَعَ عِنْدَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ. وَقِيلَ: كَانَتِ الْمَسَافَةُ مِقْدَارَ شَهْرَيْنِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الدُّعَاءِ الَّذِي دَعَا [بِهِ] [١] آصَفُ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: دُعَاءُ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ: يَا إِلَهَنَا وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ائْتِنِي بِعَرْشِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَانُ، قَالَ لَهُ عَالِمٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَفَهْمًا. أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، قَالَ سُلَيْمَانُ هَاتِ، قَالَ أَنْتَ النَّبِيُّ ابْنُ النَّبِيِّ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَوْجَهَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْكَ فَإِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ وَطَلَبْتَ إِلَيْهِ كَانَ عِنْدَكَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ فَجِيءَ بِالْعَرْشِ فِي الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْكَ أَقْصَى مَنْ تَرَى، وَهُوَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ مَنْ كَانَ مِنْكَ عَلَى مَدِّ بَصَرِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الشَّخْصُ مِنْ مَدِّ الْبَصَرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي إِدَامَةَ النَّظَرِ حَتَّى يَرْتَدَّ الطرف خاسئا. قال وَهَبٌ: تَمُدُّ عَيْنَيْكَ فَلَا يَنْتَهِي طَرْفُكَ إِلَى مَدَاهُ، حَتَّى أُمَثِّلَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَلَمَّا رَآهُ، يَعْنِي رَأَى سُلَيْمَانُ الْعَرْشَ، مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ، مَحْمُولًا إِلَيْهِ مِنْ مَأْرِبَ إِلَى الشَّامِ فِي قَدْرِ ارْتِدَادِ الطَّرْفِ، قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ، نعمه، أَمْ أَكْفُرُ، فَلَا أَشْكُرُهَا، وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، أَيْ يُعُودُ نَفْعُ شُكْرِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْجِبَ بِهِ تَمَامَ النِّعْمَةِ وَدَوَامَهَا، لِأَنَّ الشُّكْرَ قَيْدُ النِّعْمَةِ الْمَوْجُودَةِ وَصَيْدُ النِّعْمَةِ الْمَفْقُودَةِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ، عَنْ شُكْرِهِ، كَرِيمٌ، بِالْإِفْضَالِ [٢] عَلَى مَنْ يكفر نعمه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها، يَقُولُ غَيَّرُوا سَرِيرَهَا إِلَى حَالٍ تُنْكِرُهُ إِذَا رَأَتْهُ، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ:
هُوَ أَنْ يُزَادَ فيه وينقص منه.
وَرُوِيَ أَنَّهُ جَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ وَأَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَجَعَلَ مَكَانَ الْجَوْهَرِ الْأَحْمَرِ أَخْضَرَ وَمَكَانَ الْأَخْضَرِ أَحْمَرَ، نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي، إِلَى عَرْشِهَا فَتَعْرِفُهُ، أَمْ تَكُونُ مِنَ، الْجَاهِلِينَ، الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ، إِلَيْهِ.
وَإِنَّمَا حَمَلَ سُلَيْمَانُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ وَهْبٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الشَّيَاطِينَ خَافَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ فَتُفْشِي إِلَيْهِ أَسْرَارَ الْجِنِّ وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّهَا كَانَتْ جِنِّيَّةً، وَإِذَا وَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا لَا يَنْفَكُّونَ مِنْ تَسْخِيرِ سُلَيْمَانَ وَذُرِّيَّتِهِ من بعده، فأساؤوا الثَّنَاءَ عَلَيْهَا لِيُزَهِّدُوهُ فِيهَا، وَقَالُوا: إِنَّ فِي عَقْلِهَا شَيْئًا وَإِنَّ رِجْلَهَا كَحَافِرِ الْحِمَارِ وَأَنَّهَا شَعْرَاءُ السابقين فَأَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَخْتَبِرَ عَقْلَهَا بِتَنْكِيرِ عَرْشِهَا، وَيَنْظُرَ إِلَى قَدَمَيْهَا بِبِنَاءِ الصَّرْحِ.
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ، لها، أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ، قال مقاتل: عرفته [و] [٣] لَكِنَّهَا شَبَّهَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا شَبَّهُوا عَلَيْهَا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَتْ حَكِيمَةً لَمْ تَقُلْ نَعَمْ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَكْذِبَ، وَلَمْ تَقُلْ لَا خَوْفًا مِنَ التَّكْذِيبِ- قَالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ فَعَرَفَ سُلَيْمَانُ كَمَالَ عَقْلِهَا حَيْثُ لَمَّ تُقِرَّ وَلَمْ تُنْكِرْ، وَقِيلَ اشْتَبَهَ عَلَيْهَا أَمْرُ الْعَرْشِ لِأَنَّهَا تَرَكَتْهُ فِي بَيْتٍ خَلْفَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ مُغَلَّقَةً وَالْمَفَاتِيحُ مَعَهَا، قيل لَهَا فَإِنَّهُ عَرْشُكِ فَمَا أَغْنَى عنك
(٢) في المطبوع «بإفضال».
(٣) زيادة عن المخطوط.