إغلاق الأبواب، فقالت: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ، بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ سُلَيْمَانَ بِالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَمْرِ الْهَدِيَّةِ وَالرُّسُلِ، مِنْ قَبْلِها، مِنْ قَبْلِ الْآيَةِ فِي الْعَرْشِ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ، مُنْقَادِينَ طَائِعِينَ لِأَمْرِ سُلَيْمَانَ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا قَالَهُ سُلَيْمَانُ، يَقُولُ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ بِاللَّهِ وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَكُنَّا مُسْلِمِينَ، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ بِإِسْلَامِهَا وَمَجِيئِهَا طَائِعَةً مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ طَائِعِينَ لِلَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [١].
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ مَنَعَهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهُوَ الشَّمْسُ أَنْ تُعْبَدَ اللَّهَ، أَيْ صَدَّهَا عِبَادَةُ الشَّمْسِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ، فَعَلَى هذا التأويل تكون «ما» في محل رفع [٢]. وقيل: معناه ما صدها عن عبادة الله نُقْصَانُ عَقْلِهَا كَمَا قَالَتِ الْجِنُّ: إِنَّ فِي عَقْلِهَا شَيْئًا بَلْ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَصَدَّهَا سُلَيْمَانُ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ الله أي منعها من ذَلِكَ وَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَيَكُونُ مَحَلُّ «مَا» نَصَبًا، إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ، هَذَا اسْتِئْنَافٌ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ، فَنَشَأَتْ بَيْنَهُمْ وَلَمْ تَعْرِفْ إِلَّا عِبَادَةَ الشمس.
قوله: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
الْآيَةَ، وَذَلِكَ أن سليمان [عليه السلام] [٣] أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى قَدَمَيْهَا وَسَاقَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهَا كَشْفَهَا لَمَّا قَالَتِ الشَّيَاطِينُ إِنَّ رِجْلَيْهَا كَحَافِرِ الْحِمَارِ [٤] وَهِيَ شَعْرَاءُ السَّاقَيْنِ، أَمَرَ الشَّيَاطِينِ فَبَنَوْا لَهُ صَرْحًا أَيْ قَصْرًا مِنْ زُجَاجٍ، وَقِيلَ بَيْتًا مِنْ زُجَاجٍ كَأَنَّهُ الْمَاءُ بَيَاضًا وَقِيلَ الصَّرْحُ صَحْنُ الدَّارِ وَأَجْرَى تَحْتَهُ الْمَاءَ وَأَلْقَى فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ دَوَابَّ الْبَحْرِ السَّمَكِ وَالضَّفَادِعِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ وَضَعَ سَرِيرَهُ فِي صَدْرِهِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَقِيلَ: اتَّخَذَ صَحْنًا مِنْ قَوَارِيرَ وَجَعَلَ تَحْتَهَا تَمَاثِيلَ مِنَ الْحِيتَانِ وَالضَّفَادِعِ، فَكَانَ الْوَاحِدُ إِذَا رَآهُ ظَنَّهُ مَاءً. وَقِيلَ: إِنَّمَا بنى الصرح ليختبر عقلها وفهمها كما فعلت هي بالوصائف والوصيفات، فَلَمَّا جَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ دَعَا بِلْقِيسَ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح، لَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً
، وهي معظمه الماء، كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
، لِتَخُوضَهُ إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَظَرَ سُلَيْمَانُ فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ قَدَمًا وَسَاقًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ شَعْرَاءَ السَّاقَيْنِ، فَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَانُ ذَلِكَ صَرَفَ بَصَرَهُ عَنْهُ وناداها، الَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ
، مُمَلَّسٌ مُسْتَوٍ، نْ قَوارِيرَ
، وَلَيْسَ بِمَاءٍ، ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ دَعَاهَا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ قَدْ رَأَتْ حَالَ الْعَرْشِ وَالصَّرْحَ فأجابت [سليمان] [٥] الَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
، بِالْكَفْرِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا رَأَتِ السَّرِيرَ وَالصَّرْحَ عَلِمَتْ أَنَّ مُلْكَ سُلَيْمَانَ مِنَ اللَّهِ فَقَالَتْ: رَبِّ إِنِّي ظلمت نفسي بعبادة غيرك، أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
، أَيْ أَخْلَصْتُ لَهُ التَّوْحِيدَ، وَقِيلَ: إِنَّهَا لَمَّا بَلَغَتِ الصَّرْحَ فظنته لُجَّةً، قَالَتْ فِي نَفْسِهَا إِنَّ سُلَيْمَانَ يُرِيدُ أَنْ يُغْرِقَنِي، وَكَانَ الْقَتْلُ عَلَيَّ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا، فقولها ظلمت نفسي يعني بِذَلِكَ الظَّنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِهَا بعد إسلامها.
(٢) في المطبوع «الرفع».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) هذه حكايات إسرائيلية.
(٥) زيادة عن المخطوط.