وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ.
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ، يَعْنِي شُؤْمُكُمْ مَعَكُمْ بِكُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ يَعْنِي أَصَابَكُمِ الشُّؤْمُ مِنْ قِبَلِكُمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: حَظُّكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ، يَعْنِي وُعِظْتُمْ بِاللَّهِ وَهَذَا استفهام محذوف، الجواب [مجازه] [١] : أئن ذكرتم [و] [٢] وعظتم بِاللَّهِ تَطَيَّرْتُمْ بِنَا وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَلِينَةِ ذُكِرْتُمْ بِالتَّخْفِيفِ، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ، مُشْرِكُونَ مُجَاوِزُونَ الْحَدَّ.
قَوْلُهُ عزّ وجلّ: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى، وَهُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ، وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: كَانَ قَصَّارًا. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَ رَجُلًا يَعْمَلُ الْحَرِيرَ وَكَانَ سَقِيمًا قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ الْجُذَامُ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ عِنْدَ أَقْصَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ مُؤْمِنًا ذَا صَدَقَةٍ يَجْمَعُ كَسْبَهُ إِذَا أَمْسَى فَيَقْسِمُهُ نِصْفَيْنِ، فيطعم نصفا لعياله ويتصدق بنصفه، فلما بلغه أن قومه قد قَصَدُوا قَتْلَ الرُّسُلِ جَاءَهُمْ، قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢١ الى ٢٧]
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١)، قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ حَبِيبٌ فِي غَارٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الرُّسُلِ أَتَاهُمْ فَأَظْهَرَ دِينَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى حَبِيبٌ إِلَى الرُّسُلِ قَالَ لَهُمْ: أتسألون عَلَى [٣] هَذَا أَجْرًا؟ قَالُوا:
لَا، فَأَقْبَلَ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) قال فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالُوا لَهُ: وَأَنْتَ مُخَالِفٌ لِدِينِنَا وَمُتَابِعٌ [٤] دِينَ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ وَمُؤْمِنٌ بِإِلَهِهِمْ؟
فَقَالَ: وَما لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)، قَرَأَ حَمْزَةُ ويعقوب وَما لِيَ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا. قِيلَ: أَضَافَ الْفِطْرَةَ إِلَى نَفْسِهِ وَالرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْفِطْرَةَ أَثَرُ النِّعْمَةِ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ أَظْهَرَ، وَفِي الرُّجُوعِ مَعْنَى الزَّجْرِ وَكَانَ بِهِمْ أَلْيَقَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ [٥] لَمَّا قَالَ: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ أَخَذُوهُ فَرَفَعُوهُ إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَفَأَنْتَ تتبعهم [على دينهم وتعبد آلهتهم] [٦] ؟ فَقَالَ: وَما لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي، يعني وَأَيُّ شَيْءٍ لِي إِذَا لَمْ أعبد خالقي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تُرَدُّونَ عِنْدَ الْبَعْثِ فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ.
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً، اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ، أَيْ لَا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً، إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ، بِسُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، لَا تُغْنِ عَنِّي، لَا تَدْفَعُ عَنِّي، شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً أَيْ لَا شَفَاعَةَ لَهَا أَصْلًا فَتُغْنِي وَلا يُنْقِذُونِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ وَقِيلَ لَا يُنْقِذُونِ مِنَ الْعَذَابِ لَوْ عَذَّبَنِي اللَّهُ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ.
إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)، خَطَأٍ ظَاهِرٍ.
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥)، يَعْنِي فَاسْمَعُوا مِنِّي، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ وَثَبَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ. قال ابن مسعود: وطؤوه بِأَرْجُلِهِمْ حَتَّى خَرَجَ قَصَبُهُ مِنْ دبره. وقال الْسُّدِّيُّ: كَانُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي حَتَّى قَطَّعُوهُ وَقَتَلُوهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: خَرَقُوا خرقا في حلقه
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) في المطبوع «تسألون عن» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «متبع».
(٥) في المطبوع «إنهم» والمثبت عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.