محمد بن يحيى العبدي [١] أنا أَحْمَدُ بْنُ مَجْدَةَ بْنِ الْعُرْيَانِ ثنا الحماني ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ [٢] عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ الْمَلَأ: مِنْ قُرَيْشٍ وَأَبُو جَهْلٍ: قَدِ الْتَبَسَ عَلَيْنَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ فَلَوِ الْتَمَسْتُمْ رَجُلًا عَالِمًا بِالشِّعْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالسِّحْرِ، فَأَتَاهُ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ أَتَانَا بِبَيَانٍ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ الشِّعْرَ وَالْكِهَانَةَ وَالسِّحْرِ وَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا وَمَا يَخْفَى عَلَيَّ أَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَوْ لَا، فَأَتَاهُ فَلَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ قال: فقال أنت يا محمد خَيْرٌ [٣] أَمْ هَاشِمٌ؟ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ أَنْتَ خَيْرٌ أم عبد الله؟ فيم تَشْتُمُ آلِهَتَنَا؟ وَتُضَلِّلُ آبَاءَنَا فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ [٤] الرِّيَاسَةَ عَقَدْنَا لَكَ أَلْوِيَتَنَا فَكُنْتَ رَأْسًا مَا بَقِيتَ، وَإِنْ كَانَ بِكَ الْبَاءَةُ زَوَّجْنَاكَ عَشْرَ نِسْوَةٍ تَخْتَارُ مِنْ أَيِّ بَنَاتِ قُرَيْشٍ؟ وَإِنْ كَانَ بِكَ الْمَالُ جَمَعْنَا لَكَ مَا تَسْتَغْنِي أَنْتَ وَعَقِبُكَ مِنْ بَعْدِكَ؟
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ، إِلَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣)، الْآيَةَ فَأَمْسَكَ عُتْبَةُ عَلَى فِيهِ وَنَاشَدَهُ بِالرَّحِمِ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى قُرَيْشٍ فَاحْتَبَسَ عَنْهُمْ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا نَرَى عُتْبَةَ إِلَّا قَدْ صَبَأَ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ أَعْجَبَهُ طَعَامُهُ وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ أَصَابَتْهُ، فَانْطَلِقُوا بِنَا إِلَيْهِ، فَانْطَلَقُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ يَا عُتْبَةُ مَا حَبَسَكَ عَنَّا إِلَّا أَنَّكَ صَبَوْتَ إِلَى دِينِ محمد وأعجبك طعامه، فَإِنْ كَانَتْ بِكَ حَاجَةٌ جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا يُغْنِيكَ عَنْ طَعَامِ مُحَمَّدٍ، فَغَضِبَ عُتْبَةُ وَأَقْسَمَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ مُحَمَّدًا أَبَدًا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا وَلَكِنِّي أَتَيْتُهُ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَأَجَابَنِي بِشَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا سِحْرٍ، وَقَرَأَ السُّورَةَ إِلَى قَوْلِهِ:
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) الْآيَةَ فَأَمْسَكْتُ بِفِيهِ وَنَاشَدْتُهُ بِالرَّحِمِ أَنْ يَكُفَّ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِبْ، فَخِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ.
«١٨٦٣» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: حُدِّثْتُ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ كَانَ سَيِّدًا حَلِيمًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَلَا أَقُومُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأُكَلِّمُهُ وَأُعْرِضُ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلَّهُ يَقْبَلُ مِنَّا بَعْضَهَا، فَنُعْطِيَهُ وَيَكُفَّ عَنَّا، وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ فَقُمْ إِلَيْهِ فَكَلِّمْهُ، فَقَامَ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ عَلِمْتَ مِنَ الْبَسْطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، فَرَّقْتَ جَمَاعَتَهُمْ وَسَفَّهْتَ أَحْلَامَهُمْ، وَعِبْتَ آلِهَتَهُمْ وَكَفَّرْتَ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أموالنا حتى تكون [من] [٥] أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شرفا سوّدناك علينا،
(١) في المطبوع «العبيدي» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المخطوط (ب) «ثنا فضيل».
(٣) في المخطوط «فقال: أنت يا محمد خير» والمعنى واحد.
(٤) في المخطوط (أ) «تتمنّى» وفي المخطوط (ب) «إنما بك» والمثبت عن المطبوع و «ط».
(٥) زيادة عن المخطوط.