عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ عَلَى الْأَرْضِ لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَكُونُ طَعَامَهُ وَلَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ غيره».
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٤٧ الى ٥٦]
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: خُذُوهُ، أَيْ يُقَالُ لِلزَّبَانِيَةِ خُذُوهُ يَعْنِي الْأَثِيمَ، فَاعْتِلُوهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِكَسْرِ التَّاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، أَيِ ادْفَعُوهُ وَسُوقُوهُ، يُقَالُ: عَتَلَهُ يَعْتِلُهُ عَتْلًا إِذَا سَاقَهُ بِالْعُنْفِ وَالدَّفْعِ وَالْجَذْبِ، إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ، وَسَطِهِ.
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨)، قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنْ خَازِنَ النَّارِ يَضْرِبُهُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَنْقُبُ [١] رَأْسَهُ عَنْ دِمَاغِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ فِيهِ مَاءً حَمِيمًا قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: ذُقْ، هَذَا الْعَذَابَ، إِنَّكَ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ أَنَّكَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، أَيْ لِأَنَّكَ كُنْتَ تَقُولُ أَنَا الْعَزِيزُ الكريم، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، عِنْدَ قَوْمِكَ بِزَعْمِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ كَانَ يَقُولُ: أَنَا أَعَزُّ أَهْلِ الوادي وأكرمهم، فتقول له هذا اللفظ خزنة النار على طريق الاستخفاف [٢] وَالتَّوْبِيخِ.
إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠)، تَشُكُّونَ فِيهِ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مُسْتَقَرَّ الْمُتَّقِينَ، فَقَالَ:
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١)، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: فِي مَقامٍ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ فِي إِقَامَةٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَيْ فِي مَجْلِسٍ أَمِينٍ، أَمِنُوا فِيهِ مِنَ الْغَيْرِ أَيْ مِنَ الْمَوْتِ وَمِنَ الْخُرُوجِ مِنْهُ.
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ، أَيْ كَمَا أَكْرَمْنَاهُمْ بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْجَنَّاتِ وَالْعُيُونِ وَاللِّبَاسِ كَذَلِكَ أَكْرَمْنَاهُمْ بِأَنْ زَوَّجْنَاهُمْ، بِحُورٍ عِينٍ، أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ لَيْسَ مَنْ عَقْدِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: زَوَّجْتُهُ بِامْرَأَةٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جَعَلْنَاهُمْ أَزْوَاجًا لهن كما يزوّج النعل بالنعل [٣]، أي جعلناهم اثنين اثنين، والحور هُنَّ النِّسَاءُ النَّقِيَّاتُ الْبَيَاضِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: يَحَارُ فِيهِنَّ الطَّرْفُ مِنْ بَيَاضِهِنَّ وَصَفَاءِ لَوْنِهِنَّ.
وَقَالَ أَبُو عبيدة: الخور هُنَّ شَدِيدَاتُ بَيَاضِ الْأَعْيُنِ الشَّدِيدَاتُ سوادها، واحدها حور، والمرأة حوراء، والعين جَمْعُ الْعَيْنَاءِ وَهِيَ عَظِيمَةُ الْعَيْنَيْنِ.
يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ، اشْتَهَوْهَا، آمِنِينَ، من نفارها وَمِنْ مَضَرَّتِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: آمَنِينَ
(٢) في المطبوع «الاستهزاء» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المخطوط (ب) «البعل بالبعل» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.