كما جهدوا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ، أَيْ وَلَا تَسْتَعْجِلِ الْعَذَابَ لَهُمْ، فَإِنَّهُ نَازِلٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ، كَأَنَّهُ ضَجَرَ بَعْضَ الضَّجَرِ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ بِمَنْ أَبَى مِنْهُمْ، فَأُمِرَ بِالصَّبْرِ وَتَرَكِ الِاسْتِعْجَالِ، ثُمَّ أُخْبِرَ عَنْ قُرْبِ الْعَذَابِ فَقَالَ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ، مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، لَمْ يَلْبَثُوا، فِي الدُّنْيَا، إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ، أَيْ إِذَا عَايَنُوا الْعَذَابَ صَارَ طُولُ لُبْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ كَأَنَّهُ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، لِأَنَّ مَا مَضَى وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ قَالَ: بَلاغٌ، أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ بَلَاغٌ مِنَ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، وَالْبَلَاغُ بِمَعْنَى التَّبْلِيغِ، فَهَلْ يُهْلَكُ، بِالْعَذَابِ إِذَا نَزَلَ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ، الْخَارِجُونَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: تَأْوِيلُهُ لَا يَهْلَكُ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ، وَلِهَذَا قَالَ قَوْمٌ: مَا فِي الرَّجَاءِ لِرَحْمَةِ اللَّهِ آيَةٌ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الآية.
سورة محمد
مدينة وهي ثمان وثلاثون آية
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤)الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١)، أَبْطَلَهَا فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَأَرَادَ بِالْأَعْمَالِ مَا فَعَلُوا مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، قَالَ الضَّحَّاكُ: أَبْطَلَ كَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يَعْنِي لَمْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْءٍ، وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
مُشْرِكُو مَكَّةَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الْأَنْصَارُ. كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ، حَالَهُمْ قَالَ ابْنُ عباس رضي الله عَنْهُمَا عَصَمَهُمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْإِصْلَاحَ يَعُودُ إِلَى إِصْلَاحِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى لَا يَعْصُوا.
ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ، الشَّيْطَانَ، وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ، يَعْنِي الْقُرْآنَ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ، أَشْكَالَهُمْ، قَالَ الزَّجَّاجُ: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ أَمْثَالَ حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِضْلَالِ أَعْمَالِ الْكَافِرِينَ.
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ فَاضْرِبُوا رِقَابَهُمْ يَعْنِي أَعْنَاقَهُمْ. حَتَّى