إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلها إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ أَسْلَمَتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«١٩٣٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ أَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَدَاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ.
قوله تعالى: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها، أَيْ أَثْقَالَهَا وَأَحْمَالَهَا، يَعْنِي حَتَّى تَضَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ السِّلَاحَ [١]، فَيُمْسِكُوا عَنِ الحرب، وأصل الوزر، ما يحمله [٢] الْإِنْسَانُ فَسَمَّى الْأَسْلِحَةَ أَوْزَارًا لِأَنَّهَا تُحْمَلُ، وَقِيلَ: الْحَرْبُ هُمُ الْمُحَارِبُونَ كالسرب [٣] وَالرَّكْبِ، وَقِيلَ: الْأَوْزَارُ الْآثَامُ، وَمَعْنَاهُ حَتَّى يَضَعَ الْمُحَارِبُونَ آثَامَهَا، بِأَنْ يَتُوبُوا مِنْ كَفْرِهِمْ فَيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَقِيلَ: حَتَّى تَضَعَ حَرْبُكُمْ وَقِتَالُكُمْ أَوْزَارَ الْمُشْرِكِينَ وَقَبَائِحَ أَعْمَالِهِمْ بِأَنْ يُسْلِمُوا، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَثْخِنُوا الْمُشْرِكِينَ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ حَتَّى يَدْخُلَ أَهْلُ الْمِلَلِ كُلِّهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ جِهَادٌ وَلَا قِتَالٌ، وَذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مريم عليه [٤] السَّلَامُ.
«١٩٣٥» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ [٥] آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُسَالِمُوا وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَتَّى لا يبق إِلَّا مُسْلِمٌ أَوْ مُسَالِمٌ. ذلِكَ، الَّذِي ذَكَرْتُ وَبَيَّنْتُ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ، وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَهُمْ وَكَفَاكُمْ أَمْرَهُمْ بِغَيْرِ قتال، وَلكِنْ، أمركم بالقتال، لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، فَيَصِيرُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الثَّوَابِ وَمَنْ قَتَلَ مِنَ الْكَافِرِينَ إِلَى الْعَذَابِ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَفْصٌ: قُتِلُوا بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ خَفِيفٌ، يَعْنِي الشُّهَدَاءَ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ قَاتَلُوا بِالْأَلْفِ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ، وَهُمُ الْمُجَاهِدُونَ، فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أنزلت يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ فَشَتْ فِي المسلمين الجراحات والقتل.
- الربيع هو ابن سليمان المرادي، الشافعي هو محمد بن إدريس، أيوب هو ابن أبي تميمة، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي، أبو المهلب هو عمرو بن معاوية، وقيل: عبد الرحمن بن معاوية، وقيل غير ذلك.
- وهو في «مسند الشافعي» ٢/ ١٢١ عن عبد الوهاب الثقفي بهذا الإسناد مطوّلا.
- وأخرجه مسلم ١٦٤١ وأبو داود ٣٣١٦ والترمذي ١٥٦٨ وأحمد ٤/ ٤٣٠ و٤٣٣- ٤٣٤ وابن حبان ٤٨٥٩ وابن الجارود ٩٣٣ والبيهقي ٩/ ٧٢ وفي «الدلائل» ٤/ ١٨٨- ١٨٩ من طرق عن أيوب به، وله قصة.
١٩٣٥- حسن. أخرجه أبو داود ٢٥٣٢ وأبو يعلى ٤٣١١ والبيهقي ٩/ ١٥٦ من حديث أنس وصدره «ثلاث من أصل الإسلام... ».
- وإسناده ضعيف، لجهالة يزيد بن أبي نشبة. لكن للحديث شواهد. انظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية.
(١) في المطبوع «السلام» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يحتمل» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «كالشرب» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «عليهما» والمثبت عن المخطوط.
(٥) في المخطوط (ب) «يقتل».