أَهْلُهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَمْ رِجَالٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ؟ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَهْلَكْناهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ:
أَهْلَكْنَاهَا، فَلا ناصِرَ لَهُمْ.
«١٩٣٦» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْغَارِ الْتَفَتَ إِلَى مَكَّةَ وَقَالَ: «أَنْتِ أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَأَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَيَّ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُخْرِجُونِي لَمْ أَخْرُجْ مِنْكِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، يَقِينٍ مِنْ دِينِهِ مُحَمَّدٌ وَالْمُؤْمِنُونَ، كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ، يَعْنِي عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ أَبُو جهل والمشركون.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٥ الى ١٧]
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ، أَيْ صِفَتُهَا، فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ، آجِنٍ مُتَغَيِّرٍ مُنْتِنٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ آسِنٍ بِالْقَصْرِ، وَالْآخَرُونَ بِالْمَدِّ، وَهُمَا لُغَتَانِ يقال: أس الماء يأسن أسنا، وآسن يأسن وياسن، وأجن يأجن أجنا [١]، أُسُونًا وَأُجُونًا إِذَا تَغَّيرَ، وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ، لَذِيذَةٌ لِلشَّارِبِينَ، لَمْ تُدَنِّسْهَا الْأَرْجُلُ وَلَمْ تُدَنِّسْهَا الْأَيْدِي، وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى.
«١٩٣٧» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَمِيرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ [٢] اللَّهِ بن عمر عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ [٣] الْجَنَّةِ».
قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: نَهْرُ دِجْلَةَ نَهْرُ مَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَنَهْرُ الْفُرَاتِ نَهْرُ لَبَنِهِمْ، وَنَهْرُ مِصْرَ نَهْرُ خَمْرِهِمْ، وَنَهْرُ سَيْحَانَ نَهْرُ عَسَلِهِمْ، وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ الْأَرْبَعَةُ تَخْرُجُ مِنْ نَهْرِ الْكَوْثَرِ، وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ، أَيْ مَنْ كَانَ فِي هَذَا النَّعِيمِ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ، وَسُقُوا ماءً حَمِيماً،
١٩٣٧- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو بكر هو عبد الله بن محمد، أبو أسامة هو حماد بن أسامة.
- وهو في «صحيح مُسْلِمٌ» ٢٨٣٩ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٢٨٩ و٤٤٠ والخطيب في «تاريخ بغداد» ١/ ٥٤- ٥٥ من طريق عبيد الله بن عمر به.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٢٦١ والحميدي ١١٦٣ وأبو يعلى ٥٩٢١ والخطيب ١/ ٥٤ و٨/ ١٨٥، من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
(١) في المطبوع «ويأجن» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن «شرح السنة».
(٣) في المطبوع «أنها» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.