أَبْقَاهَا اللَّهُ بِبَاقِرِ دِي مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، عِبْرَةً وَآيَةً حَتَّى نَظَرَتْ إِلَيْهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، أَيْ مُتَذَكِّرٍ مُتَّعِظٍ مُعْتَبِرٍ خَائِفٍ مِثْلَ عُقُوبَتِهِمْ.
«٢٠٧٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا أبو نعيم ثنا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا سَأَلَ الْأَسْوَدَ عَنْ قَوْلِهِ: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، أَوْ مُذَكِّرٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يقرأها فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، وَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا:
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، دَالًّا.
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦)، أَيْ إنذارهم [١]، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْإِنْذَارُ وَالنُّذُرُ مَصْدَرَانِ، تَقُولُ الْعَرَبُ أَنْذَرْتُ إِنْذَارًا وَنُذُرًا، كَقَوْلِهِمْ أَنْفَقْتُ إِنْفَاقًا وَنَفَقَةً، وَأَيْقَنْتُ إِيقَانًا وَيَقِينًا، أُقِيمَ الِاسْمُ مَقَامَ الْمَصْدَرِ.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا، سَهَّلْنَا، الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، لِيُتَذَكَّرَ وَيُعْتَبَرَ بِهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَسَّرْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَالْقِرَاءَةِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ يُقْرَأُ كُلُّهُ ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآنَ. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، مُتَّعِظٍ بِمَوَاعِظِهِ.
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً، شَدِيدَةَ الْهُبُوبِ، فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ، شَدِيدٍ دَائِمِ الشُّؤْمِ، اسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ بِنَحْوِ سَنَةٍ فلم يبق منهم أحد إِلَّا أَهْلَكَهُ، قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ.
تَنْزِعُ النَّاسَ، تَقْلَعُهُمْ ثُمَّ تَرْمِي بهم على رؤوسهم فَتَدُقُّ رِقَابَهُمْ: وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْزِعُ النَّاسَ مِنْ قُبُورِهِمْ، كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُصُولُهَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَوْرَاكُ نَخْلٍ. مُنْقَعِرٍ، منقلع مِنْ مَكَانِهِ سَاقِطٍ عَلَى الْأَرْضِ وَوَاحِدُ الْأَعْجَازِ عَجُزٍ، مِثْلَ عَضُدٍ وَأَعْضَادُ، وَإِنَّمَا قَالَ: أَعْجازُ نَخْلٍ وَهِيَ أُصُولُهَا الَّتِي قُطِّعَتْ فُرُوعُهُا لأن الريح كانت تبين رؤوسهم من أجسادهم، فتبقى أجسام [٢] بلا رؤوس.
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣)، بِالْإِنْذَارِ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ صَالِحٌ.
فَقالُوا أَبَشَراً، آدَمِيًّا، مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ، وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ، خَطَأٍ وَذَهَابٍ عَنِ الصَّوَابِ، وَسُعُرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَذَابٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ: شِدَّةُ عَذَابٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
عَنَاءٌ، يَقُولُونَ: إِنَّا إِذًا لَفِي عَنَاءٍ وَعَذَابٍ مِمَّا يَلْزَمُنَا مِنْ طَاعَتِهِ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: هُوَ جَمْعُ سَعِيرٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: جُنُونٌ، يُقَالُ نَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ إِذَا كَانَتْ خَفِيفَةَ الرَّأْسِ هَائِمَةً عَلَى وَجْهِهَا. وَقَالَ وَهْبٌ: وَسُعُرٍ: أَيْ بُعْدٍ عن الحق.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٢٥ الى ٣١]
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩)
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)

٢٠٧٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أَبُو نُعَيْمٍ، الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، زهير بن معاوية، أبو إسحق عمرو بن عبد الله، الأسود بن يزيد.
- وهذا إسناد كوفي.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٨٧١ عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٨٦٩ و٤٨٧٠ و٤٨٧٢ و٤٨٧٣ ومسلم ٨٢٣ وأبو داود ٣٩٩٤ والترمذي ٢٩٣٧ والنسائي في «التفسير» ٥٧٥ من طريق أبي إسحاق السبيعي به.
(١) في المطبوع «إنذار» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «أجسادهم».


الصفحة التالية
Icon