فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِلْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمُ الصَّنَادِيدُ وَالْأَشْرَافُ وَكَانُوا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا أَكْبَرُهُمْ سنا الوليد بن المغيرة، فقال [١] لَهُمْ: امْشُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَأَتَوْا أَبَا طَالِبٍ، وَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ، وَإِنَّا قَدْ أَتَيْنَاكَ لِتَقْضِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَأَرْسَلَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ [٢]، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَسْأَلُونَكَ السَّوَاءَ فَلَا تَمِلْ كُلَّ الْمَيْلِ عَلَى قَوْمِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: ماذا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: ارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا وَنَدَعْكَ وَإِلَهَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُعْطُونِي كَلِمَةً وَاحِدَةً تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ فَقَالَ أَبُو جهل: لله أبوك لنعطينكها وَعَشْرًا أَمْثَالَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَامُوا، وَقَالُوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا كَيْفَ يَسَعُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ، أَيْ عَجِيبٌ.
وَالْعَجَبُ وَالْعُجَابُ وَاحِدٌ، كَقَوْلِهِمْ رَجُلٌ كَرِيمٌ وَكُرَامٌ وَكَبِيرٌ وَكُبَارٌ وَطَوِيلٌ وَطُوَالٌ وَعَرِيضٌ وَعُرَاضٌ.
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ، أَيِ انْطَلَقُوا مِنْ مَجْلِسِهِمُ الَّذِي كَانُوا فيه عند أبي طالب، ويقول بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ أَيْ اثْبُتُوا عَلَى عِبَادَةِ آلهتكم، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ، أَيْ لَأَمْرٌ يُرَادُ بِنَا.
وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ [بْنَ الْخَطَّابِ] [٣] لَمَّا أَسْلَمَ وَحَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ بِمَكَانِهِ [٤] قَالُوا: إِنَّ هَذَا الَّذِي نَرَاهُ مِنْ زِيَادَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ لَشَيْءٌ يُرَادُ بِنَا، وَقِيلَ: يُرَادُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: يُرَادُ بِمُحَمَّدٍ أن يملك علينا.
وَما سَمِعْنا بِهذا، أَيْ بِهَذَا الَّذِي يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ مِنَ التَّوْحِيدِ، فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ والكلبي ومقاتل: يعنون: في النَّصْرَانِيَّةَ لِأَنَّهَا آخِرُ الْمَلَلِ وَهُمْ لَا يُوَحِّدُونَ، بَلْ يَقُولُونَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَعْنُونَ مِلَّةَ قُرَيْشٍ وَدِينَهُمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ، كذب وافتعال.
أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ، الْقُرْآنُ، مِنْ بَيْنِنا، وَلَيْسَ بِأَكْبَرِنَا وَلَا أَشْرَفِنَا، يَقُولُهُ أَهْلُ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي، أَيْ وَحْيِي وَمَا أَنْزَلْتُ، بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ، أي لم يذوقوا عذابي، وَلَوْ ذَاقُوهُ لَمَا قَالُوا هَذَا القول.
صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، مع أن فيه يحيى بن عمارة، وهو مقبول- أي لين الحديث- وتوبع في رواية ثانية عند النسائي ٤٥٧ وأحمد ٢/ ٣٦٢ والطبري ٢٩٧٣٧ وفيه عباد بن جعفر، وهو مجهول.
- وورد من وجه ثالث أخرجه الحاكم ٢/ ٤٣٢، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو حسن فيه ابن إسحاق، وقد صرّح بالتحديث.
- وورد من وجه رابع عند الطبري ٢٩٧٥١، ولكن إسناده ضعيف جدا، فيه عطية العوفي، ضعيف، وعنه مجاهيل.
- وله شاهد معضل أخرجه الطبري ٢٩٧٥٠ عن السدي، وهذا معضل.
- فالحديث حسن بشواهده، وطرقه، والله أعلم.
- وانظر «تفسير الشوكاني» ٢١٣٤ بتخريجي.
(١) في المطبوع «قال» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «فدعا به».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «لمكانه» والمثبت عن ط والمخطوط.