قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي مَا كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦).
«١٨٢٦» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْإِسْفَرَايِنِيُّ أَنَا أبو عوانة ثنا السلمي ثنا النصر بن محمد ثنا عكرمة بن عمار أَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ثنا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِمَ كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفت فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مستقيم».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧)، قَالَ مُقَاتِلٌ: ظَهَرَ لَهُمْ حِينَ بُعِثُوا مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ نَازِلٌ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ الْسُّدِّيُّ: ظَنُّوا أَنَّهَا حَسَنَاتٌ فَبَدَتْ لَهُمْ سَيِّئَاتٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَلَمَّا عُوقِبُوا عَلَيْهَا بَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا.
وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ جَزِعَ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَبْدُوَ لِي مَا لَمْ أَحْتَسِبْ.
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا، أَيْ مَسَاوِئُ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ. وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ، شِدَّةٌ، دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ، أَعْطَيْنَاهُ، نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ، أَيْ عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ أَنِّي لَهُ أَهْلٌ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى خَيْرٍ عَلِمَهُ اللَّهُ عِنْدِي، وَذَكَرَ الْكِنَايَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النِّعْمَةِ الْإِنْعَامُ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ، يَعْنِي تِلْكَ النِّعْمَةُ فِتْنَةُ اسْتِدْرَاجٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وامتحان وبلية.
وقيل: بل الكلمة الَّتِي قَالَهَا فِتْنَةٌ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، أَنَّهُ اسْتِدْرَاجٌ وَامْتِحَانٌ.
قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي قَارُونَ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي [الْقَصَصِ: ٧٨] فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ، فَمَا أَغْنَى عَنْهُمُ الْكُفْرُ مِنَ الْعَذَابِ شَيْئًا.
فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا، أَيْ جَزَاؤُهَا يَعْنِي الْعَذَابَ، ثُمَّ أَوْعَدَ كُفَّارَ مَكَّةَ فَقَالَ: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ، بِفَائِتِينَ لِأَنَّ مَرْجِعَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ أَيْ يُوسِعُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ أي يقتر على من
- السلمي هو أحمد بن يوسف.
أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» ٩٤٧ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٧٧٠ وأبو داود ٧٦٧ و٧٦٨ والترمذي ٣٤٢٠ والنسائي ٣/ ٢١٢- ٢١٣ وابن ماجه ١٣٥٧ وأحمد ٦/ ١٥٦ وابن حبان ٢٦٠٠ وأبو عوانة ٢/ ٢٠٤ و٣٠٥ من طرق عن عكرمة بن عمار به.