يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً، يُوقِعُ فِي قَلْبِ الزَّوْجِ مُرَاجَعَتَهَا بَعْدَ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُفَرِّقَ الطَّلَقَاتِ، وَلَا يُوقِعَ الثَّلَاثَ دُفْعَةً وَاحِدَةً حَتَّى إِذَا نَدِمَ أَمْكَنَهُ الْمُرَاجَعَةَ.
[سورة الطلاق (٦٥) : آية ٢]
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢)
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أَيْ قَرُبْنَ مِنَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ، فَأَمْسِكُوهُنَّ، أَيْ رَاجِعُوهُنَّ، بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَيِ اتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ فَتَبِينَ مِنْكُمْ، وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ، على الرجعة أو الفراق أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ وَعَلَى الطلاق، وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ، أيها الشهود، ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.
قَالَ عِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ: وَمَنْ يَتُقِ اللَّهَ فَيُطَلِّقْ لِلسَّنَةِ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا إِلَى الرَّجْعَةِ.
«٢٢٢٧» وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: نَزَلَتْ فِي عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ ابْنًا لَهُ يُسَمَّى مَالِكًا فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْرَ العدو ابني وشكا إليه أيضا الْفَاقَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ، وَأَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»، فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي بَيْتِهِ إِذْ أَتَاهُ ابْنُهُ وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ الْعَدُوُّ، فَأَصَابَ إِبِلًا وَجَاءَ بِهَا إِلَى أَبِيهِ.
«٢٢٢٨» وَرَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن ابن عباس قال: فغفل عَنْهُ الْعَدُوُّ فَاسْتَاقَ غَنَمَهَمْ فَجَاءَ بها إلى
- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٨٢٧ و «الوسيط» ٤/ ٣١٣ نقلا عن المفسرين بدون إسناد.
- وله شاهد عن ابن مسعود، وسيأتي.
- وورد أيضا من حديث جابر أخرجه الحاكم ٢/ ٤٩٢ والواحدي ٨٢٨ وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: بل منكر، وعباد رافضي جبل، وعبيد متروك قاله الأزدي.
- وورد من مرسل سالم بن أبي الجعد، أخرجه الطبري ٣٤٢٨٨ و٣٤٢٨٩ وإسناده حسن إلى سالم.
- وورد من مرسل السدي، أخرجه الطبري ٣٤٢٨٧ وإسناده لا بأس به.
- رووه بألفاظ متقاربة، والمعنى متحد، فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها.
- وانظر ما يأتي.
٢٢٢٨- أخرجه الثعلبي كما في «تخريج الكشاف» ٤/ ٥٥٦ من طريق الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس: جاء عوف بن مالك الأشجعي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فذكره نحوه ولم يسمّ الابن، وهذا إسناد واه بمرة، الكلبي متروك متهم، وأبو صالح، ضعفه غير واحد.
- وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» ٩/ ٨٤ من طريق جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عباس فذكره مطوّلا، وهذا إسناد واه بمرة، جويبر متروك، والضحاك لم يلق ابن عباس.
- وورد عن ابن إسحاق معضلا، أخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٤/ ٤٤٨- ٤٤٩، وانظر ما بعده.
- وورد من حديث ابن مسعود.
- أخرجه البيهقي في «الدلائل» ٦/ ١٠٦، ورجاله ثقات، لكنه منقطع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود.
- وكرره البيهقي ٦/ ١٠٧ عن أبي عبيدة مرسلا، وسنده قوي.
- الخلاصة: هو حديث حسن أو يقرب من الحسن بمجموع طرقه وشواهده، وأحسن ما روي فيه حديث ابن مسعود، ليس له علة إلا الانقطاع، فهو ضعيف فحسب، وإذا انضم إليه مرسل سالم ومرسل السدي، صار حسنا كما هو مقرر في هذا الفن، لكن في المتن بعض الاضطراب، لذا قلت: هو حسن أو يشبه الحسن، والله أعلم.