الْمَوَازِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
«٢٢٨٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أحيانا يأتيني مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ». قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ ينزل عليه فِي الْيَوْمِ [الشَّاتِي] [١] الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ [٢] عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عرقا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ، أي ساعته كُلَّهَا وَكُلُّ سَاعَةٍ مِنْهُ نَاشِئَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْشَأ أَيْ تَبْدُو وَمِنْهُ نَشَأَتِ السَّحَابَةُ إِذَا بدت وكل مَا حَدَثَ بِاللَّيْلِ وَبَدَا فَقَدْ نَشَأَ فَهُوَ نَاشِئُ، وَالْجُمَعُ نَاشِئَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْهَا، فَقَالَا: اللَّيْلُ كُلُّهُ نَاشِئَةٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ زَيْدٍ: أَيْ سَاعَةَ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَدْ نَشَأَ وَهُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ الْقِيَامُ، يُقَالُ: نَشَأَ فَلَانٌ أَيْ قَامَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: النَّاشِئَةُ الْقِيَامُ بَعْدَ النَّوْمِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هِيَ الْقِيَامُ مِنْ آخَرِ اللَّيْلِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ الْقِيَامُ مِنْ أول الليل. يروى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ، وَيَقُولُ: هَذِهِ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ صَلَاةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَهِيَ نَاشِئَةٌ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: نَاشِئَةُ اللَّيْلِ قِيَامُ اللَّيْلِ، مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ كَالْعَافِيَةِ بِمَعْنَى الْعَفْوِ. هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وِطَاءً بِكَسْرِ الْوَاوِ مَمْدُودًا بِمَعْنَى الْمُوَاطَأَةِ وَالْمُوَافَقَةِ، يُقَالُ وَاطَأْتُ فلانا مُوَاطَأَةَ الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ، بِاللَّيْلِ تَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ بِالنَّهَارِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ وَطْئًا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ أَيْ أَشَدُّ عَلَى الْمُصَلِّي وَأَثْقَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلنَّوْمِ وَالرَّاحَةِ.
«٢٢٨٤» وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطَأَتَكَ عَلَى مُضَرَ».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ صَلَاتُهُمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطأ، يَقُولُ هِيَ أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَامَ لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ وَأَحْفَظُ لِلْقِرَاءَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَثْبَتُ قِيَامًا أَيْ أَوَطَأُ لِلْقِيَامِ وَأَسْهَلُ لِلْمُصَلِّي مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ، لِأَنَّ النَّهَارَ خُلِقَ لِتَصَرُّفِ الْعِبَادِ، وَاللَّيْلَ لِلْخَلْوَةِ فَالْعِبَادَةُ فِيهِ أَسْهَلُ. وَقِيلَ: أَشَدُّ نَشَاطًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَفْرَغُ لَهُ قَلْبًا مِنَ النَّهَارِ لِأَنَّهُ لَا تَعْرِضُ لَهُ حَوَائِجُ. وقال الحسن: أشد وطأ في الخير وَأَمْنَعُ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَأَقْوَمُ قِيلًا،
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
- وهو في «شرح السنة» ٣٦٣١ بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» ١/ ٢٠٢- ٢٠٣ عن هشام بن عروة به.
- وأخرجه البخاري (٢) والترمذي ٣٦٣٨ والنسائي ٢/ ١٤٦- ١٤٧ وأحمد ٦/ ٢٥٧ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٣٧ وفي «الدلائل» ٧/ ٥٢- ٥٣ وأبو نعيم في «الدلائل» ١/ ٢٧٩ من طرق عن مالك.
- وأخرجه البخاري ٣٢١٥ ومسلم ٢٣٣٣ وأحمد ٦/ ١٥٨ والحميدي ٦/ ٢٥ والبيهقي في «الأسماء» ٤٢٦ من طرق عن هشام بن عروة به.
٢٢٨٤- تقدم في سورة المؤمنون عند آية: ٦٤.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المخطوط «فينفصم».