وَما أُمِرُوا، يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ، إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ يَعْنِي إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أُمِرُوا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَّا بإخلاص الْعِبَادَةِ لِلَّهِ مُوَحِّدِينَ، حُنَفاءَ، مَائِلِينَ عَنِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، الْمَكْتُوبَةَ فِي أَوْقَاتِهَا، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، عِنْدَ مَحَلِّهَا، وَذلِكَ، الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، دِينُ الْقَيِّمَةِ [أَيِ الْمِلَّةُ وَالشَّرِيعَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ، أَضَافَ الدِّينَ إِلَى الْقَيِّمَةِ وَهِيَ نَعْتُهُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، وَأَنَّثَ الْقَيِّمَةَ رَدًّا بِهَا إِلَى الْمِلَّةِ، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ: الْقَيِّمَةُ هِيَ الْكُتُبُ الَّتِي جَرَى ذِكْرُهَا، أَيْ وَذَلِكَ دِينُ الْكُتُبِ الْقَيِّمَةِ فِيمَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَتَأْمُرُ بِهِ، كَمَا قَالَ: وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [الْبَقَرَةِ: ٢١٣]. قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: سَأَلْتُ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ عَنْ قَوْلِهِ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ] [١] فَقَالَ: الْقَيِّمَةُ جَمْعُ الْقَيِّمِ، والقيم والقائم واحد، مجاز الْآيَةِ: وَذَلِكَ دِينُ الْقَائِمِينَ لِلَّهِ بالتوحيد.
ثُمَّ ذَكَرَ مَا لِلْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦)، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ الْبَرِيئَةِ بِالْهَمْزَةِ فِي الْحَرْفَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: بَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ مُشَدَّدًا بِغَيْرِ هَمْزٍ كَالذَّرِيَّةِ، تُرِكَ هَمَزُهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)، وَتَنَاهَى عَنِ الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: الرِّضَا يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ رِضًا بِهِ وَرِضًا عَنْهُ، فَالرِّضَا بِهِ: رَبًّا وَمُدَبِّرًا، وَالرِّضَا عَنْهُ: فِيمَا يَقْضِي ويقدّر. قال السري [٢] رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا كُنْتَ لَا تَرْضَى عَنِ اللَّهِ فَكَيْفَ تَسْأَلُهُ الرِّضَا عَنْكَ؟
«٢٣٨٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشار ثنا غندر [٣] ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا، قال: وسماني ربي؟ قَالَ: نَعَمْ» فَبَكَى.
«٢٣٩٠» وَقَالَ هُمَامٌ عَنْ قَتَادَةَ: «أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عليك القرآن».

٢٣٨٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- غندر لقب، واسمه محمد بن جعفر، شعبة هو ابن الحجاج، قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «صحيح البخاري» ٣٨٠٩ عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٩٥٩ ومسلم ٧٩٩ ح ٢٤٦ والترمذي ٣٧٩٢ والنسائي في «التفسير» ٧١١ وأحمد ٣/ ١٣٠ و٢٧٣ وأبو يعلى ٢٩٩٥ و٣٢٤٦ من طرق عن شعبة به.
٢٣٩٠- صحيح. أخرجه البخاري ٤٩٦٠ ومسلم ٧٩٩ ح ٢٤٥ وأحمد ٣/ ١٨٥ و٢٨٤ وأبو يعلى ٢٨٤٣ وابن حبان ٧١٤٤ وأبو نعيم في «الحلية» ١/ ٢٥١ من رواية همام عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لأبي بن كعب: «إن الله أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ... ».
(١) سقط من المخطوط.
(٢) تصحف في المخطوط «السدي».
(٣) تصحف في المخطوط «عبدان».


الصفحة التالية
Icon