وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَقَوْلُهُ:
مَا أَعْبُدُ أَيْ مَنْ أَعْبُدُ، لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِمُقَابَلَةِ مَا تَعْبُدُونَ.
وَوَجْهُ التَّكْرَارِ.
قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَعَانِي: هُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وعلى مجازي خِطَابِهِمْ، وَمِنْ مَذَاهِبِهِمُ التَّكْرَارُ إِرَادَةَ التَّوْكِيدِ وَالْإِفْهَامِ [١]، كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمُ الِاخْتِصَارُ إِرَادَةَ التَّخْفِيفِ وَالْإِيجَازِ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ:
تَكْرَارُ الْكَلَامِ لِتَكْرَارِ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ سَرَّكَ أَنْ نَدْخُلَ فِي دِينِكَ عَامًا فَادْخُلْ فِي دِينِنَا عَامًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ.
لَكُمْ دِينُكُمْ، الشَّرَكُ، وَلِيَ دِينِ. الْإِسْلَامُ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ: وَلِيَ بفتح الياء، والآخرون بِإِسْكَانِهَا. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السيف.
سورة النصر
مدنية وهي ثلاث آيات
[سورة النصر (١١٠) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)، أَرَادَ فَتْحَ مَكَّةَ.
«٢٤١٣» وَكَانَتْ قِصَّتُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَصْحَابُ الْأَخْبَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَاصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَ النَّاسِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَأَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ، فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ، وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ [٢] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَرٌّ قَدِيمٌ، ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، يُقَالُ لَهُ الوَتِيرُ، فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدُّؤَلِيُّ فِي بَنِي الدُّئَلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ حَتَّى بَيَّتَ خزاعة، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا وَتَحَارَبُوا [٣] وَاقْتَتَلُوا، ورفدت
٢٤١٣- انظر «دلائل النبوة» للبيهقي ٥/ ٥- ٦٤ و «سيرة ابن هشام» ٤/ ٢٦- ٤٢ «المغازي» للواقدي ٢/ ٧٨٠ و «الطبقات» لابن سعد ٢/ ١٣٤ و «البداية والنهاية» لابن كثير ٤/ ٢٧٨.
- الخلاصة: لأكثره شواهد في الصحيحين، وتقدم تخريجها، في سورة الفتح وغيرها، وبعضه غريب.
(١) في المخطوط «الإبهام».
(٢) في المطبوع «عهد». [.....]
(٣) في المخطوط «تجاولوا».


الصفحة التالية
Icon