اللَّهُ فَدَاءَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَقْصِرِي حَدِيثَكِ وَمُجَادَلَتَكِ أَمَا تَرَيْنَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا أنزل عليه [الوحي] [١] أَخَذَهُ مِثْلُ السُّبَاتِ، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ قَالَ لَهَا: ادْعِي زَوْجَكِ فَدَعَتْهُ، فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ، الْآيَاتِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ كُلَّهَا إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتُحَاوِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ أَسْمَعُ بَعْضَ كَلَامِهَا وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ الْآيَاتِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ وتخاصمك وَتُحَاوِرُكَ وَتَرَاجِعُكَ فِي زَوْجِهَا، وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما، مُرَاجَعَتَكُمَا الْكَلَامَ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، سَمِيعٌ لِمَا تُنَاجِيهِ وَتَتَضَرَّعُ إليه بصير بمن يشكوا إليه، ثم ذم الظهار.
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ٢]
الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢)
فَقَالَ: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ، قرأ عاصم يظهرون فِيهَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الظَّاءِ وَأَلْفٍ بَعْدَهَا وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ، وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ وَأَلْفٍ بَعْدَهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ وَالْهَاءِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ. مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، أَيْ مَا اللَّوَاتِي يَجْعَلُونَهُنَّ مِنْ زَوْجَاتِهِمْ كَالْأُمَّهَاتِ بِأُمَّهَاتٍ وَخَفَضَ التَّاءَ فِي أُمَّهَاتِهِمْ عَلَى خَبَرِ مَا وَمَحَلُّهُ نَصْبٌ كَقَوْلِهِ: مَا هَذَا بَشَراً [يُوسُفَ: ٣١] الْمَعْنَى لَيْسَ هُنَّ بِأُمَّهَاتِهِمْ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ أَيْ مَا أُمَّهَاتُهُمْ، إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ، لَا يُعْرَفُ فِي شَرْعٍ وَزُوراً، كَذِبًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، عَفَا عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ، وَصُورَةُ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ أَنْتِ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَرَأْسِ أُمِّي أَوْ كَيَدِ أُمِّي أَوْ قَالَ بَطْنُكِ أَوْ رَأْسُكِ أَوْ يَدُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ شَبَّهَ عُضْوًا مِنْهَا بِعُضْوٍ آخَرَ مِنْ أَعْضَاءِ أُمِّهِ فَيَكُونُ ظِهَارًا.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ شَبَّهَهَا بِبَطْنِ الْأُمِّ أَوْ فَرْجِهَا أَوْ فَخْذِهَا يَكُونُ ظِهَارًا وَإِنَّ شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ آخَرَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي أَوْ كَرُوحِ أُمِّي وَأَرَادَ بِهِ الْإِعْزَازَ وَالْكَرَامَةَ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا حَتَّى يُرِيدَهُ، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِجَدَّتِهِ فَقَالَ أَنْتِ عَلِيٌّ كَظَهْرِ جَدَّتِي يَكُونُ ظِهَارًا وَكَذَلِكَ لَوْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي أَوْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ بِالرَّضَاعِ يَكُونُ ظِهَارًا على الأصح من الأقاويل.
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ٣]
وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣)
وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، ثُمَّ حُكْمُ الظِّهَارِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا بَعْدَ الظِّهَارِ مَا لَمْ يُكَفِّرْ، وَالْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْعَوْدِ بَعْدَ الظِّهَارِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ في العود فقال [جماعة] [٢] أَهْلُ الظَّاهِرِ: هُوَ إِعَادَةُ لَفْظِ الظهار، وهو قول
(٢) زيادة عن المخطوط (أ).