وَقَدْ بَلَغَهُمْ عَنْ [١] إِخْوَانِنَا الَّذِينَ خَرَجُوا [٢] فِي السَّرَايَا قَتْلٌ أَوْ مَوْتٌ أَوْ هَزِيمَةٌ فَيَقَعُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَيُحْزِنُهُمْ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَكَثُرَ شَكُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَتَنَاجَوْا دُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ وَعَادُوا إِلَى مُنَاجَاتِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى أَيِ الْمُنَاجَاةِ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ، أَيْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْمُنَاجَاةِ الَّتِي نُهُوا عَنْهَا وَيَتَناجَوْنَ، قَرَأَ الْأَعْمَشُ وحمزة ينتجون عَلَى وَزْنِ يَفْتَعِلُونَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ وَيَتَناجَوْنَ لِقَوْلِهِ: إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ نَهَاهُمْ عَنِ النجوى فعصوه، وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُونَ، السَّامُ عَلَيْكَ، وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَهُمْ يُوهِمُونَهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ عَلَيْكُمْ فَإِذَا خَرَجُوا قالوا: فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ، يُرِيدُونَ لَوْ كَانَ نَبِيًّا حَقًّا لَعَذَّبَنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
«٢١٤٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد الوهّاب ثنا أَيُّوبَ [٣] عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ قَالَ وَعَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ: عَائِشَةُ السَّامُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تسمع ما قالوا؟ قال: «أو لم تَسْمَعِي مَا قُلْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لهم في».
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَنَاجَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ كفعل المنافقين واليهود.
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ٩ الى ١٠]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)
فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ، أَيْ كَفِعْلِ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ وَقَالَ مُقَاتِلٌ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: آمَنُوا (الْمُنَافِقِينَ) أَيْ آمَنُوا بِلِسَانِهِمْ قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ الَّذِينَ آمنوا بزعمهم
- عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، أيوب هو ابن أبي تميمة، ابن أبي ملكية هو عبد الله بن عبيد الله.
- وهو في «شرح السنة» ٣٢٠٦ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٦٤٠١ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٩٣٥ و٦٣٠ وفي «الأدب المفرد» ٣١١ من طريق أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ به.
- وأخرجه مسلم ٢١٦٥ ح ١١ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٢٦٢ من طريق مسروق عن عائشة به.
- وأخرجه البخاري ٦٠٢٤ و٦٢٥٦ و٦٣٩٥ ومسلم ٢١٦٥ والترمذي ٢٧٠١ وأحمد ٦/ ٣٧ و١٩٩ وعبد الرزاق ١٩٤٦٠ وابن حبان ٦٤٤١ والبيهقي في «السنن» ٩/ ٢٠٣ وفي «الأدب» ٢٨٦ من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائشة به.
(١) في المخطوط (ب) «من».
(٢) في المطبوع «جرحوا» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «أبو أيوب» والمثبت عن «شرح السنة» و «صحيح البخاري».