يَطُوفُ عَلَيْهِمْ، لِلْخِدْمَةِ، وِلْدانٌ، غِلْمَانٌ، مُخَلَّدُونَ، لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَهْرَمُونَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ كَبِرَ وَلَمْ يَشْمَطْ [١] إِنَّهُ مُخَلَّدٌ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: يَعْنِي وِلْدَانًا لَا يُحَوَّلُونَ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُقَرَّطُونَ يُقَالُ خَلَّدَ جَارِيَتَهُ إِذَا حَلَّاهَا بِالْخِلْدِ، وَهُوَ الْقِرْطُ.
قَالَ الْحَسَنُ: هُمْ أَوْلَادُ أَهْلِ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ فَيُثَابُوا عَلَيْهَا وَلَا سَيِّئَاتٌ فَيُعَاقَبُوا عَلَيْهَا لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا ولادة فيها فهم خدم أَهْلِ الْجَنَّةِ.
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ، فَالْأَكْوَابُ جَمْعُ كُوبٍ وَهِيَ الْأَقْدَاحُ الْمُسْتَدِيرَةُ الْأَفْوَاهِ لَا آذَانَ لَهَا وَلَا عرى، والأباريق [جمع إبريق] وَهِيَ ذَوَاتُ الْخَرَاطِيمِ سُمِّيَتْ أَبَارِيقَ لِبَرِيقِ لَوْنِهَا مِنَ الصَّفَاءِ. وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، خَمْرٍ جَارِيَةٍ.
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها، لا تصدع رؤوسهم من شربها، وَلا يُنْزِفُونَ [لا يذهب عقولهم] [٢] أَيْ لَا يَسْكَرُونَ هَذَا إِذَا قُرِئَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَمَنْ كَسَرَ فَمَعْنَاهُ لَا يَنْفَدُ شَرَابُهُمْ.
وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠)، يَخْتَارُونَ مَا يَشْتَهُونَ يُقَالُ تَخَيَّرْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَخَذْتُ خَيْرَهُ.
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَخْطُرُ عَلَى قَلْبِهِ لَحْمُ الطَّيْرِ فَيَصِيرُ مُمَثَّلًا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَا اشْتَهَى، وَيُقَالُ: إِنَّهُ يَقَعُ عَلَى صَحْفَةِ الرَّجُلِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ مَا يَشْتَهِي ثُمَّ يَطِيرُ فَيَذْهَبُ.
وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالنُّونِ، أَيْ وَبِحُورٍ عِينٍ أَتْبَعَهُ قَوْلَهُ:
«بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ- وَفَاكِهَةٍ- وَلَحْمِ طَيْرٍ» فِي الْإِعْرَابِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الْحُورَ لَا يُطَافُ بِهِنَّ.
كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا
وَالْعَيْنُ لَا تُزَجَّجُ وَإِنَّمَا تُكَحَّلُ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَيُكْرَمُونَ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمِ طَيْرٍ وَحُورٍ عِينٍ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ أَيْ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ حُورٌ عِينٌ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: رُفِعَ عَلَى مَعْنَى لَهُمْ حُورٌ عِينٌ ورجاء فِي تَفْسِيرِهِ حُورٌ عِينٌ بِيضٌ ضِخَامُ الْعُيُونِ.
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)، الْمَخْزُونِ فِي الصَّدَفِ لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي.
وَيُرْوَى أَنَّهُ يَسْطَعُ نُورٌ فِي الْجَنَّةِ قَالُوا وَمَا هَذَا قَالُوا ضَوْءُ ثَغْرِ حَوْرَاءَ ضَحِكَتْ فِي وَجْهِ زَوْجِهَا.
وَيُرْوَى: أَنَّ الحوراء إذا مشت ليسمع تَقْدِيسُ الْخَلَاخِلِ مِنْ سَاقَيْهَا وَتَمْجِيدُ الْأَسْوِرَةِ مِنْ سَاعِدَيْهَا، وَإِنَّ عِقْدَ الْيَاقُوتِ لَيَضْحَكُ مِنْ نَحْرِهَا، وَفِي رِجْلَيْهَا نَعْلَانِ مِنْ ذَهَبٍ شِرَاكُهُمَا من لؤلؤ يصران بالتسبيح.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٤ الى ٣١]
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨)
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤).
لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلَّا قِيلًا، أَيْ قَوْلًا: سَلاماً سَلاماً، نَصَبَهُمَا اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ قِيلًا أَيْ يَسْمَعُونَ قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا. قَالَ عَطَاءٌ: يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْيَمِينِ وعجب من
(١) في المطبوع «ولمن شمط» والمثبت عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.


الصفحة التالية
Icon