بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ عَاقَبَ وَعَقَّبَ وَعَقَبَ وَأَعْقَبَ وَتَعَقَّبَ وَتَعَاقَبَ وَاعْتَقَبَ، إِذَا غَنِمَ، وَقِيلَ: التَّعْقِيبُ غَزْوَةٌ بَعْدَ غَزْوَةٍ، فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ، إِلَى الْكُفَّارِ مِنْكُمْ، مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا، عَلَيْهِنَّ مِنَ الْغَنَائِمِ الَّتِي صَارَتْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ. وَقِيلَ: فَعَاقَبْتُمُ الْمُرْتَدَّةَ بِالْقَتْلِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لِحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ سِتُّ نِسْوَةٍ أُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ أبي سفيان كانت تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ شَدَّادٍ الْفِهْرِيِّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ أُخْتُ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُهَاجِرَ أَبَتْ وَارْتَدَتْ، وَبَرْوَعُ بِنْتُ عُقْبَةَ كَانَتْ تَحْتَ شَمَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ، وَعَزَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ نَضْلَةَ وتزوجها [١] عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ، وَهِنْدُ بِنْتُ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ كَانَتْ تَحْتَ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ جَرْوَلٍ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكُلُّهُنَّ رَجَعْنَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أزواجهم مُهُورَ نِسَائِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ، وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي أَنَّ رَدَّ مَهْرِ مَنْ أَسْلَمَتْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، كَانَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَأَصْلُهُ أَنَّ الصُّلْحَ هَلْ كَانَ وَقْعَ عَلَى رَدِّ النِّسَاءِ، فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِمَا رُوِّينَا «أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا» ثُمَّ صَارَ الْحُكْمُ فِي رَدِّ النِّسَاءِ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ رَدُّ الْمَهْرِ وَاجِبًا.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَقَعْ عَلَى رَدِّ النِّسَاءِ، لأنه يروى [٢] عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي الرَّدِّ مَا يُخْشَى عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ إِصَابَةِ الْمُشْرِكِ إِيَّاهَا، وَأَنَّهُ لَا يُؤَمَنُ عَلَيْهَا الرِّدَّةُ إِذَا خُوِّفَتْ، وَأُكْرِهَتْ عَلَيْهَا لِضَعْفِ قَلْبِهَا [٣]، وَقِلَّةِ هِدَايَتِهَا إِلَى الْمَخْرَجِ مِنْهَا بِإِظْهَارِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ التَّوْرِيَةِ، وَإِضْمَارِ الْإِيمَانِ، وَلَا يُخْشَى ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ لِقُوَّتِهِ وَهِدَايَتِهِ إِلَى التَّقِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ رَدُّ الْمَهْرِ مَنْدُوبًا وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ الْيَوْمَ فِي رَدِّ الْمَالِ إِذَا شُرِطَ فِي مُعَاقَدَةِ الْكُفَّارِ.
فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ وَزَعَمُوا أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَيُرَدُّ إِلَيْهِمْ ما أنفقوا.
[سورة الممتحنة (٦٠) : آية ١٢]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ، الْآيَةَ.
«٢١٨٣» وَذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْعَةِ الرِّجَالِ، وَهُوَ عَلَى الصَّفَا وَعُمَرُ بْنُ الخطاب
- وأخرجه الطبري ٢٤٠١٢ من حديث ابن عباس بنحوه.
(١) تصحف في المطبوع «تزوجها».
(٢) في المطبوع «روي عن».
(٣) زيد في المطبوع «لقلة عقلها».