الحجة الثانية: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ... ﴾
[النحل: ١٠١] قالوا: إن هذه الآية واضحة كل الوضوح في تبديل الآيات والأحكام، والتبديلُ يشتمل على رفعٍ وإثبات، والمرفوع إمّا التلاوة، وإمّا الحكم، وكيفما كان فإنه رفع ونسخ.
الحجة الثالثة: قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس مَا ولاهم عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا... ﴾ [البقرة: ١٤٢] ثم قال تعالى: ﴿قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام﴾ [البقرة: ١٤٤] فقد كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس، ثمّ نسخ ذلك وأُمروا بالتوجه إلى المسجد الحرام.
الحجة الرابعة: أن الله تعالى أمر المتوفى عنها زوجها بالاعتداد حولاً كاملاً في قوله جلّ ذكره ﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول... ﴾ [البقرة: ٢٤٠] ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر كما قال تعالى: ﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ [البقرة: ٢٣٤].
الحجة الخامسة: أنه تعالى أمر بثبات الواحد للعشرة في قوله تعالى: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٥] ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: ﴿الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٦] فهذه الآيات وأمثالها في القرآن كثير تدل على وقوع النسخ فلا مجال للإنكار بحالٍ من الأحوال، ولهذا أجمع العلماء على القول بالنسخ، حتى روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال لرجلٍ: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكتَ وأهلكت الناس.
قال العلامة القرطبي: (معرفة هذا الباب أكيدة، وفائدته عظيمة، لا تستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه في النوازل من الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام، وقد أنكرت طوائف من


الصفحة التالية
Icon