خاتمة البحث:
حكمة التشريع
جاءت الشريعة الإسلامية الغراء محققة لمصالح الناس، متمشية مع تطور الزمن، صالحة لكل زمان ومكان.. وكان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن سنّ لهم «سنة التدرج» في الأحكام، لتبقى النفوس على أتم الاستعداد لتقبّل تلك التكاليف الشرعية، فلا تشعر بملل أو ضجر، ولا تحسّ بمشقة أو شدة.. ولتظلّ الشريعة الغراء - كما أرادها الله - شريعة سمحة، سهلة لا عسر فيها ولا تعقيد، ولا شطط فيها ولا إرهاق.
ومن المعلوم: أن الأحكام ما شرعت إلا لمصلحة الناس، وهذه المصلحة تختلف باختلاف الزمان والمكان، فإذا شُرع حكمٌ في وقت من الأوقات كانت الحاجة ملحّة إليه، ثم زالت تلك الحاجة، فمن الحكمة نسخه وتبديله بحكم يوافق الوقت الآخر، فيكون هذا التبديل والتغيير أقرب للمصلحة، وأنفع للعباد.. وما مثل ذلك إلا كمثل الطبيب الذي يغيّر الأغذية والأدوية للمريض، باختلاف الأمزجة، والقابلية، والاستعداد.
والأنبياء صلوات الله عليهم هم (أطباء القلوب) ومصلحوا النفوس، لذلك جاءت شرائعهم مختلفة، تبعاً لاختلاف الأزمنة والأمكنة، وجاءت بسنة «التدرج» في الأحكام، لأنها بمثابة الأدوية والعقاقير للأبدان، فما يكون منها في وقت مصلحة، قد يكون في وقت آخر مفسدة، وما يصلح لأمة لا يصلح لأخرى، ذلك حكم العليم الحكيم.