قال الجصاص: «وهذا خبرٌ مستفيض مشهور، وقد حكم به عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة من غير خلاف من واحد منهم عليه، فكان في حيّز المتواتر».
وقال مالك: يُقتل إذا تعمّد قتله بأن أضجعه وذبحه.
قال القرطبي: «لا خلاف في مذهب مالك أنه إذا قتل الرجل ابنه متعمداً، مثل أن يضجعه ويذبحه، أو يصبره، أنه يُقتل به قولاً واحداً، فأمّا إن رماه بالسلاح أدباً وحنقاً لم يقتل به وتغلّظ الدية».
الترجيح: وما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح للنصّ الوارد الذي أسلفناه، ولأنّ الشفقة تمنعه من الإقدام على قتل ولده متعمداً، بخلاف الابن إذا قتل أباه فإنه يقتل به من غير خلاف، قال فخر الإسلام الشاشي: إن الأب كان سبب وجود الابن، فكيف يكون هو سبب عدمه؟!
الحكم الثالث: هل يقتل الجماعة بالواحد؟
اختلف الفقهاء في الجماعة إذا اشتركوا في قتل إنسان هل يقتلون به؟ على مذهبين:
مذهب الجمهور والأئمة الأربعة: أن الجماعة يقتلون بالواحد.
مذهب الظاهرية: ورواية عن الإمام أحمد: أن الجماعة لا تقتل بالواحد.
دليل الظاهرية:
أ - استدل أهل الظاهر بآية القصاص ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى﴾ فقد شرطت المساواة والمماثلة، قالوا: ولا مساواة بين الواحد والجماعة.
ب - واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس﴾ [المائدة: ٤٥] فالنفس تقابلها النفس، ولا تقتل الأنفس بالنفس الواحدة لأنه مخالف لنص الآية.
دليل الجمهور:
أولاً ما روي أن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قتل سبعة في غلام قتل بصنعاء وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم.
قال ابن كثير: ولا يُعرف له في زمانه مخالف من الصحابة وذلك كالإجماع.
ثانياً: ما روي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال: «لو أنّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لكبّهم الله في النار» قالوا: فإذا اشتركوا في العقوبة الأخروية، فإنهم يشتركون في العقوبة الدنيوية أيضاً.
ثالثاً: قالوا إن الشارع شرع القصاص لحفظ الأنفس ﴿وَلَكُمْ فِي القصاص حياوة﴾ ولو علم الناس أن الجماعة لا تقتل بالواحد،


الصفحة التالية
Icon