المقصود، ما لا يكون في لفظ (إيّاه) ».
اللطيفة التاسعة: وردت الصيغة بلفظ الجمع في الجملتين ﴿نَعْبُدُ﴾ و ﴿نَسْتَعِينُ﴾ ولم يقل: (إياّاك أعبد وإيّاك أستعين) وذلك لنكتةٍ لطيفة، هي اعتراف العبد بقصوره عن الوقوف في باب ملك الملوك جلّ وعلا، وطلبه الاستعانة والهداية مفرداً دون سائر العرب، فكأنه يقول: يا رب أنا عبد حقير، ذليل، لا يليق بي أن أقف هذا الموقف في مناجاتك بمفردي، بل أنا أنضم إلى سلك الموحّدين، وأدعوك معهم، فتقبّل دعائي معهم، فنحن جميعاً نعبدك ونستعين بك.
وتقديم المفعول على الفعل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ و ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ يفيد القصر والتخصيص كما في قوله: ﴿وإياي فارهبون﴾ [البقرة: ٤٠] كما يفيد التعظيم والاهتمام به.
قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: معناه نعبدك ولا نعبد غيرك.
قال القرطبي: إن قيل: لم قدَّم المفعول ﴿إِيَّاكَ﴾ على الفعل ﴿نَعْبُدُ﴾ ؟ قيل له: اهتماماً، وشأنُ العرب تقديم الأهم، يُذكر أنْ أعرابياً سبّ آخر فأعرض المسبوب عنه، فقال له السابّ: إيّاك عني، فقال له الآخر: وعنك أُعرض، فقدّما الأهم، وأيضاً لئلا يتقدم ذكر العبد والعبادة على المعبود، فلا يجوز نعبدك، ونستعين، ولا نعبد إيّاك ونستعين إياك، وإنما يتبع لفظ القرآن، قال العجّاج:
إيّاك أدعو فتقبّل مَلَقي | واغفر خطايايَ وكثّر ورقي |