﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى﴾ والنهي بهذه الصيغة أبلغ من قوله:» لا تصلوا وأنتم سكارى «فإذا حرم قربان الصلاة ففعلها وأداوها يكون ممنوعاً من باب أولى فهو كقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى﴾ [الإسراء: ٣٢] وقوله: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢].
قال أبو السعود:»
وتوجيه النهي إلى قربان الصلاة مع أن المراد هو النهي عن إقامتها للمبالغة في ذلك، وقيل: المراد النهي عن قربان المساجد ويأباه قوله تعالى: ﴿حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾.
اللطيفة الثانية: التدرج في تحريم الخمر بهذه الطريقة الحكيمة التي سلكها القرآن الكريم برهان ساطع على عظمة الشريعة الغراء، فإن العرب كانوا يشربون الخمر كما يشرب أحدنا الماء الزلال، فلو حرّمت عليهم دفعة واحدة لثقل عليهم تركها، ولما أمكن اقتلاع جذورها من قلوبهم، وقد قالت السيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أول ما نزل من القرآن من القرآن آيات من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، فلما ثاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل لا تشربوا الخمرة لقالوا: لا ندع الخمرة أبداً».
اللطيفة الثالثة: التعليل بقوله تعالى: ﴿حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ فيه إشارة لطيفة إلى أن المصلي ينبغي عليه أن يكون خاشعاً في صلاته يعرف ما يقوله من تلاوة، وذكر، وتسبيح، وتمجيد، فقد نهى سبحانه السكران عن الصلاة لأنه فاقد التمييز لا يعرف ماذا قرأ؟ فإذا لم يعرف المصلي المستغرق بهموم الدنيا كم صلى، وماذا قرأ؟ فقد أشبه السكران، ولهذا ورد عن بعضهم تفسير السكر بأنه السكر من النوم والنعاس، وهو صحيح في المعنى ولكنه بعيد في التفسير لا يناسبه سبب النزول.
اللطيفة الرابعة: طريقة القرآن الكريم (الكناية) عمّا لا يحسن التصريح


الصفحة التالية
Icon