وأما حديث عبادة بن الصامت: فقد حملوه على نفي الكمال، لا على نفي الحقيقة، ومعناه عندهم (لا صلاة كاملة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولذلك قالوا: تصح الصلاة مع الكراهية، وقالوا هذا الحديث يشبه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد».
وأما حديث أبي هريرة: (فهي خداج، فهي خداج) الخ فقالوا: فيه ما يدلّ لنا لأنّ (الخداج) الناقصة، وهذا يدل على جوازها مع النقصان، لأنها لو لم تكن جائزة لما أُطلق عليها اسم النقصان، لأن إثباتها ناقصة ينفي بطلانها، إذ لا يجوز الوصف بالنقصان للشيء الباطل الذي لم يثبت منه شيء.
هذه هي خلاصة أدلة الفريقين: سردناها لك بإيجاز، وأنت إذا أمعنتَ النظر، رأيت أنّ ما ذهب إليه الجمهور أقوى دليلاً، وأقوى قيلاً، فإنّ مواظبته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ على قراءتها في الفريضة والنفل، ومواظبة أصحابه الكرام عليها دليل على أنه لا تجزئ الصلاة بدونها، وقد عضد ذلك الأحاديث الصريحة الصحيحة، والنبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ مهمته التوضيح والبيان، لما أجمل من معاني القرآن، فيكفي حجّة لفريضتها ووجوبها قولُه وفعله عليه السلام.
وممّا يؤيد رأي الجمهور ما رواه مسلم عن أبي قتادة أنه قال: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصلّي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليَيْن بفاتحة الكتاب وسورتين، ويُسمعنا الآية أحياناً، وكان يطوّل في الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، وكذلك في الصبح».
وفي رواية: «ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب».
قال الطبري: يقرأ بأم القرأن في كل ركعة، فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن عدد آياتها وحروفها.
قال القرطبي: والصحيح من هذه الأقوال، قولُ الشافعي وأحمد ومالك


الصفحة التالية
Icon