اللطيفة الثالثة: تعليق الإغناء بالمشيئة في قوله جل وعلا: ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ﴾ لتعليم رعاية الأدب مع الله تعالى كما في قوله تعالى: ﴿لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ﴾ [الفتح: ٢٧] وللإشارة إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على أن المطلوب سيحصل حتماً، بل لا بدّ من التضرع إلى الله تعالى في طلب الخير، وفي دفع الآفات.
اللطيفة الرابعة: في التعبير في ختام الآية ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ إشارة لطيفة إلى أن الغنى والفقر بيد الله تعالى، وأن الرزق لا يأتي بالحيلة والاجتهاد، بل هو راجع إلى الحكمة والمصلحة، فإن شاء الله أغنى، وإن شاء أفقر، فهو تعالى لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة ومصلحة، وممّا يروى للإمام الشافعي قدّس الله روحه قوله:

لو كانَ بالحيَلِ الغِنَى لوجدتني بنجوم أقطارِ السّماءِ تعلّقي
لكنّ من رَزَقَ الحجا حَرَم الغِنَى ضدّان مفترقان أيّ تفرق
ومن الدليل على القضاء وكونه بؤسُ اللبيبِ وطيبُ عيشِ الأحمقِ
اللطيفة الخامسة: نفى الله تعالى الإيمان عن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) لأن إيمانهم مغشوش مدخول، وليس إيماناً كما يجب، لأنهم جعلوا لله ولداً، وزوجة، وبدّلوا كتابهم، وحرّموا ما لم يحرّم الله، وأحلّوا ما لم يُحلّه، ووصفوا المولى جل وعلا بما لا يليق، فهم وإن زعموا الإيمان غير مؤمنين إيماناً صحيحاً، وهذا هو السرّ في التعبير القرآن بنفي الإيمان عنهم.
قال الكرماني: نفيُ الإيمان بالله عنهم لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن بالله، إذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به جل وعلا.


الصفحة التالية
Icon