الحكم الثالث: هل يقتص من الوالد بجنايته على الولد؟
ذهب الجمهور الفقهاء إلى أن الولد لا يستحق القوَد على أحد والديه بجناية أحدهما عليه، ولا يقتص منهما بسبب الولد، كما لا يحدّ إذا قذفه أحدهما ولا يحبس له بدين عليه.
ودليلهم أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالصحبة لهما بالمعروف فقال ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً﴾ وليس من المعروف أن يقتص من الوالد للولد، ولا أن يحبس في دينه، ولا أن يحدّ إذا قذفه لأن ذلك كلّه مما يتنافى مع صحبتهما بالمعروف. ولأنهما كانا سبباً في حياته، فلا يصح أن يكون الولد سبباً في إهلاك والديه. وقد جاء في الحديث ما يؤيد هذا حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «لا يقاد للولد من والده».
الحكم الرابع: هل تلزم طاعة الوالدين في الأمور المحظورة؟
قال العلامة القرطبي: (إن طاعة الأبوين لا تراعى في ارتكاب كبيرة، ولا في ترك فريضة وتلزم طاعتهما في المباحات، ونقل عن (الحسن) أنه قال: إن منعته أُمّه من شهود صلاة العشاء شفقةً فلا يطعها).
ثم قال: والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق. وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقد قدمت عليها أمها من الرضاعة فقالت: «يا رسول الله إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم».
وهذه الأحكام استنبطها العلماء من قوله تعالى: ﴿وَإِن جاهداك على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ فكما تحرم طاعة الوالدين في الشرك تحرم في كل معصية، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وهذا المعنى قد سَنّه الخليفة الراشد (أبو بكر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه في خطبته الأولى حين تولى الخلافة على المؤمنين. فكان فيما قال: