من الأفواه مجرد عن الحقيقة كأصوات البهائم، وقول الله حق فيجب اتباعه. وهو خير من أقوالكم التي عن قلوبكم. فكيف تكون نسبته إلى أقوالكم التي بأفواهكم!؟.
اللطيفة السابعة: صيغة (فعيل) في اللغة العربية تفيد المبالغة، فقوله تعالى: ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً﴾ [النساء: ١٧] إنما يقصد به المبالغة، لأن الصيغة تقتضي ذلك، ففرق في التعبير بين قولك (عالم، وعليم، وعلاّم) فالأولى ليس فيها إلا إثبات العلم، وأما الثانية والثالثة ففيهما المبالغة، لأنّ (فعّال وفعيل) من صيغ المبالغة كما قال ابن مالك:

فَعَالٌ أو مِفْعَالٌ أو فَعُولُ في كَثْرةٍ عن فَاعِلٍ بديلُ
فيستحقّ مالَهُ منْ عَمَل وفي فَعِيلٍ قلّ ذا وفعِل
فالمراد في الآية الكريمة من لفظه (عليم) أنه جلّ جلاله قد أحاط علمه بكل الأشياء، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. و (الحكيم) المبالغ في الحكمة الذي تناهت حكمته فشملت الأمر العظيم والشيء اليسير وكل ما جاء على ذلك الوزن إنما يقصد به المبالغة فتدبره.
اللطيفة الثامنة: كانت العرب تزعم أنّ كل لبيبٍ أريب له في جوفه قلبان، وقد اشتهر (جميل بن مَعْمر) عند أهل مكة بذكائه وقوة حفظه، فكانوا يسمونه بذي القلبين، وكانوا يخصونه بالمديح في أشعارهم كما قال بعض الشعراء:
وكيفَ ثَوَائي بالمدينَةِ بعدَما قَضَى وَطْراً منها جميلُ بن مَعْمر
وكان هذا الجهول يقول: أنا أذكى من محمد وأفهم منه. فلمّا بلغته هزيمة بدر طاش لبه، وحدّث أبا سفيان بحديثٍ كان فيه كالمختل. وهو


الصفحة التالية
Icon