وخلّصها من تلك العقائد الزائغة، والأوهام الباطلة، وغذاها بلَبَان الإيمان، حتى أصبحت خير أُمّة أُخْرجت للناس.
ولقد كانت (بدعة التبنّي) من أظهر بدع الجاهلية، وتفشّت هذه البدعة حتى أصبحت ديناً متوارثاً، لا يمكن تعطيله أو تبديله لأنه دين الآباء والأجداد، ﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣].
كان العربي في الجاهلية. يتبنّى الرجل منهم ولد غيره، فيقول له: (أنتَ ابني أرثك وترثني) فيصبح ولده وتجري عليه أحكام البنوّة كلها. من الإرث، والنكاح، والطلاق، ومحرمات المصاهرة، وغير ذلك مما يتعلق بأحوال الابن الصلبي على الوجه الشرعي المعروف.
ولحكمةٍ يريدها الله عزّ وجلّ ألهم نبيّه الكريم - قبل البعثة والنبوة - أن يتبنى أحد الأبناء. جرياً على عادة العرب في التبني. ليكون ذلك تشريعاً للأمة في إنهاء التبني. وإبطال تلك البدعة المنكرة، التي درج عليها العرب ردحاً طويلاً من الزمن.
فتبنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أحد الأبناء، هو (زيد بن حارثة) وأصبح الناس منذ ذلك الحين يدعونه (زيد بن محمد) حتى نزل القرآن الكريم بالتحريم فتخلّى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن تبنّيه، وعاد نسبه إلى أبيه فأصبح يدعى زيد بن حارثة بن شرحبيل.
أخرج البخاري ومسلم في «صحيحهما» عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أنه قال: «إنّ زيد بن حارثة، مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ما كنّا ندعوه إلاّ زيد بن محمد، حتى نزل القرآن ﴿ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أنت زيد بن حارثة بن شرحبيل».
أما سبب تبنّيه عليه السلام لزيد قبل البعثة - مع كراهته الشديدة لعادات


الصفحة التالية
Icon