واستدل بما روي أنّ (الأشعث بن قيس) نكح المستعيذة في زمن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فهمّ برجمه فأخبره أنها لم تكن مدخولاً بها، فكفّ عنه، وفي رواية: أنه همّ برجمها فقالت: ولمَ هذا؟ وما ضُرِبَ عليّ حجاب، ولا سُمّيتُ للمسلمين أماً، فكفّ عنها.
الترجيح: والصحيح ما ذهب إليه إمام الحرمين من أنّ الحرمة قاصرة على المدخول بها فقط، فلو طلَّقها بعد الدخول تثبت لها الحرمة كذلك، أمّا مجرد العقد عليها فلا يوجب الحرمة كما هو الحال في شأن «المستعيذة» وهي التي تزوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلما أراد الدخول عليها قالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد عذتِ بمَعاذ فألحقها بأهلها، وكانت تقول: أنا الشقية، لأنها حرمت من ذلك الشرف الرفيع، شرف الانتساب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
الحكم الرابع: هل يورّثُ ذوو الأرحام؟
المراد من قوله تعالى: ﴿وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ﴾ أنّ أصحاب القرابة مطلقاً أولى بميراث بعض الأجانب، وهذه الآية نسخت التوارث الذي كان بين المسلمين بسبب (المؤاخاة والنصرة) أو بسبب الهجرة، فقد كان المهاجريُّ يرث أخاه الأنصاري بعد موته، ثم نسخ الحكم وأصبح التوارث بالقرابة النسبية.
وقد أخذ بعض الفقهاء من هذه الآية الكريمة أن (ذوي الأرحام) - وهم الذين ليسوا بأصحاب فروض ولا عصبات - كالخال والعمة وأولاد البنات وغيرهم أحق بالإرث من بيت مال المسلمين، وهذا هو مذهب (الحنفية) وجمهور الفقهاء، ودليلهم في ذلك أنّ الآية اقتضت بأنّ ذوي القرابة مطلقاً (سواء كانوا أصحاب فروض أم عصبات أم أصحاب قرابة رحمية) أحقُّ بالإرث من الأجانب، فالآية تشمل كل قريب للميت. كما استدلوا بأنّ بيت مال المسلمين تربطه مع الميت رابطة الأخوَّة في الدين، وذوو الأرحام تربطهم معه أخوًّة الدين