لا تنافي الصبر، وقد قال يعقوب عليه السلام: ﴿إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله﴾ [يوسف: ٨٦] ولهذا مدحه الله بقوله: ﴿نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ولو كانت الشكوى إلى الله تعالى تنافي الصبر لما استحق هذا الثناء.
اللطيفة الثالثة: قوله تعالى: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان﴾ أسند الضُرَّ الذي أصابه في جسمه وأهله، وماله، إلى الشيطان أدباً مع الله تعالى، مع أن الفاعل الحقيقي هو الله رب العالمين، فالخيرُ والشرُ، والنفع والضُّر، بيد الله جلَّ وعلا. ولكن لا ينسب الشر إلى الله وإنما ينسب إلى النفس أو الشيطان، ولهذا راعى عليه السلام الأدب في ذلك فنسبه إلى الشيطان، وهو على حدّ قول إبراهيم عليه السلام: ﴿والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: ٧٩ - ٨٠] حيث نسب الإطعام إلى الله ونسب المرضَ إلى نفسه أدباً.
قال الزمخشري: «لمّا كانت وسوسته إليه، وطاعته له فيما وسوس، سبباً فيما مسّه الله به من النّصب والعذاب نسبه إليه، وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو».
اللطيفة الرابعة: سئل سفيان عن عبدين، ابتلى أحدهما فصبر، وأُنْعم على الآخر فشكر، فقال: كلاهما سواء، لأن الله تعالى أثنى على عبدين: أحدهما صابر، والآخر شاكر ثناءً واحداً فقال في وصف أيوب ﴿نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ وقال وفي وصف سليمان ﴿نِعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠].
وفضّل بعض العلماء: الغنيّ الشاكر، على الفقير الصابر، لأن الغنَى ابتلاء وفتنة، والشاكرُ من عباد الله قليل
﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور﴾ [سبأ: ١٣] بخلاف الصابر فإنه كثير والمسألة فيها نظر.
اللطيفة الخامسة: يضرب المثل بصبر أيوب عليه السلام فيقال: (صبرٌ