وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: كنت أنا وحفصة صائمين فأهدي لنا طعام، فأكلنا منه فدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فقالت حفصة وبدرتني، وكانت بنت أبيها: يا رسول الله، إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه فقال: «اقضيا مكانه يوماً».
وقالوا في جواب دليل المذهب الأول: المتطوع أمير نفسه، ولا سبيل عليه قبل أن يشرع أما إذا شرع فقد ألزم نفسه، وعقد عزمه على الفعل، فوجب أن يؤدي ما التزم وأن يوفي بما عقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ [المائدة: ١].
ثم اللفظ عام في الآية يشمل التطوع وغيره.
الحكم الثاني: قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم﴾.
فيه دلالة على أنه لا يجوز طلب الصلح من المشركين، فأما إذا كان في الكفار قوة وكثرة بالنسبة إلى جمع المسلمين، ورأى الإمام المسلم في المهادنة، والمعاهدة مصلحة، فله أن يفعل ذلك، كما فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين صده كفار قريش عن مكة ودعوة إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين فأجابهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى ذلك.
فائدة:
دلّ قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم وَأَنتُمُ الأعلون... ﴾ الآية على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يدخل مكة صلحاً، وإنما فتحها عَنوةً، لأن الله تعالى قد نهاه عن الصلح في هذه الآية.