وهذه ظلمات معنوية، فالقسم هنا قد جمع فيه بين الهدايتين (الحسيّة) للنجوم، و (المعنوية) للقرآن فتدبّر هذا السرّ الدقيق.
اللطيفة السابعة: قوله تعالى: ﴿لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون﴾ ظاهر الكلام النفي، ومعناه النهي كقوله تعالى: ﴿الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً﴾ [النور: ٣] يراد منه النهي، وكقوله تعالى: ﴿والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨] خبر بمعنى الأمر، والمراد بالآية أنهم المطهّرون من الأحداث.
قال ابن كثير: قوله تعالى: ﴿لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون﴾ قال بعضهم: أي من الجنابة والحدث، قالوا: ولفظ الآية خبر، ومعناه الطلب، قالوا: والمراد بالقرآن هاهنا المصحفُ، كما روى مسلم في» صحيحه «عن ابن عمر:» أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهى أن يُسافَرَ بالقرآن إلى أرض العدو «مخافة أن يناله العدوّ، واحتجوا بما رواه مالك في الموطأ أنّ في الكتاب الذي كتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لعمر بن حزم:» ألاّ يمسّ القرآن إلاّ طاهر «.
اللطيفة الثامنة: قوله تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ هو على حذف مضاف أي وتجعلون شكر رزقكم تكذيبكم بالقرآن، أي تضعون الكفر مكان الشكر، فهو على حد قول القائل:
«تحيةُ بينهم ضربٌ وجيع»
... قال ابن عباس: في تفسير الآية: وتجعلون شكركم التكذيب.
قال الألوسي: «إنّ في الكلام مضافاً مقدّراً أي شكر رزقكم، أو إشارة إلى أن الرزق مجاز عن لازمه وهو الشكر».
وقال الثعلبي المعنى: وتجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذِّبون.


الصفحة التالية
Icon