وقال القرطبي: «والصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير والأجر، سواء كان مجلس حرب، أو ذكر، أو مجلس يوم الجمعة، فإنّ كل واحد أحقّ بمكانه الذي سبق إليه».
الحكم الثاني: هل يباح الجلوس مكان الشخص بدون إذنه؟
دلّت الآية الكريمة على وجوب التوسع في المجلس للقادم، وهذا من مكارم الأخلاق التي أرشد إليها الإسلام، ولكن لا يباح للإنسان أن يأمر غيره بالقيام ليجلس مجلسه لقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثمّ يجلس فيه، ولكن تفسّحوا وتوسّعوا».
وقد جرى الحكم أنّ من سبق إلى مباح فهو أولى به، والمجلسُ من هذا المباح، وعلى القادم أن يجلس حيث انتهى به المجلس، إلاّ أن الآداب الاجتماعية تقضي على الناس بتقديم أولي (الفضل والعلم) وبذلك جرى عرف الناس وعوائدهم في القديم والحديث.
ولقد كان هذا الأدب السامي شأن الصحابة في مجلس الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فكانوا يُقدّمون بالهجرة، وبالعلم، وبالسنِّ، وما فعله النبي عليه السلام في جماعة (ثابت بن قيس) من أهل بدر، فإنما كان لتعليم الناس مكارم الأخلاق، وخاصة من أهل الفضل والعلم، من المهاجرين والأنصار.
أ - روى ابن العربي بسنده عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنه قال: «بينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في المسجد وقد طاف به أصحابه، إذ أقبل علي بن أبي طالب فوقف وسلّم، ثمّ نظر مجلساً يشبهه، فنظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في وجوه أصحابه أيّهم يوسّع له، وكان أبو بكر جالساً على يمين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فتزحزح له عن محله، وقال: ها هنا يا أبا الحسن!