وقد روى الطبري: عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري: ذكّرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن فيقول عمر: من استطاع أن يتغنى بالقرآن غناء أبي موسى فليفعل.
وكان ابن مسعود: تعجبه قراءة (علقمة الأسود) - وكان حسن الصوت - فكان يقرأ له علقمة، فإذا فرغ قال له: زدني فداك أبي وأمي.
هذه خلاصة موجزة لأدلة الفريقين، وأنت إذا أمعنت النظر وجدت أن الخلاف بينهم يكان يكون (شكلياً) لا (جوهرياً) فالفقهاء جميعاً متفقون على حرمة قراءة القرآن بالأنغام، التي لا تراعى فيها أحكام التجويد، كمدّ المقصور، وقصر الممدود، وترقيق المفخّم، وتفخيم المرقق، وإظهار ما ينبغي إدغامه، وإخفاء ما ينبغي إظهاره... إلخ، والتي يكون الغرض منها (التطريب) وإظهار جمال الصوت فحسب دون تقيّد بالأحكام وآداب التلاوة، كما يفعله بعض الجهلة من قراء هذا العصر، فإن هذا لا يشك أحد في تحريمه.
أما إذا كان المراد ب (التلحين) هو تحسين الصوت بالقراءة وإخراج الحروف سليمة من مخارجها، دون تعقر أو تمطيط، مع تطبيق أحكام التجويد ومراعاة الوقوف والمدود فإن هذا لا يقول أحد بتحريمه، لأن الصوت الحسن يزيد في جمال القرآن، وله أثر في نفس الإنسان، وقد استمع النبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ إلى قراءة بعض أصحابه، فأعجب بحسن صوته حتى قال لأبي موسى الأشعري: «لقد أعطيتَ مزماراً من مزامير آل داود» والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
تمّ بعونه تعالى الجزء الثاني من كتاب «روائع البيان» وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.


Icon