المالكية، والشافعية، والحنابلة، وكثير من أهل الكلام. وإما لكون اللفظ متواطئاً، فيكون عاماً إذا لم يكن هناك موجب لتخصيصه.
رابعاً: أن يُعبِّروا عن المعانى بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فإن الترادف قليل فى اللغة، ونادر أو معدوم فى القرآن، وقَلَّ أن يُعبَّر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدى جميع معناه، وإنما يُعبَّر عنه بلفظ فيه تقريب لمعناه، فمثلاً إذا قال قائل: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السمآء مَوْراً﴾ [الطور: ٩].. المور: الحركة فذلك تقريب للمعنى، لأن المور حركة خفيفة سريعة. كذلك إذا قال: ﴿وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب﴾ [الإسراء: ٤].. أي أعلمنا، لأن القضاء إليهم فى الآية أخص من الإعلام، فإن فيه إنزالاً وإيحاءً إليهم.
فإذا قال أحدهم فى قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الأنعام: ٧٠] إن معنى تبسل: تحبس، وقال الآخر: ترتهن، ونحو ذلك، لم يكن من اختلاف التضاد، لأن هذا تقريب للمعنى كما قلنا.
خامساً: أن يكون فى الآية الواحدة قراءتان أو قراءات، فيفسِّر كل منهم على حسب قراءة مخصوصة فيظن ذلك اختلافاً، وليس باختلاف، مثال ذلك: ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وغيره من طرق فى قوله تعالى: ﴿.. لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ [الحجر: ١٥]. إن معنى سُكِّرت: سُدَّت، ومن طريق أخرى عنه: أن سُكِّرت بمعنى أُخذت وسُحرت، ثم أخرج عن قتادة أنه قال: مَن قرأ "سُكِّرت" مشددة، فإنما يعنى سُدَّت، ومَن قرأ "سكَرت" مخففة. فإنه يعنى سُحرت. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ﴾ [إبراهيم: ٥٠] أخرج ابن جرير عن الحسن: أنه الذى تهنأ به الإبل، وأخرج من طرق عنه وعن غيره: أنه النحاس المذاب، وليسا بقولين، وإنما الثانى تفسير لقراءة مَن قرأ: "من قطرٍ آن" بتنوين قطر، وهو النحاس المذاب، وآن: شديد الحرارة. وأمثلة هذا النوع كثيرة. وقد خُرِّج على هذا الاختلاف الوارد عن ابن عباس وغيره فى تفسير قوله تعالى. ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ﴾ [النساء: ٤٣، المائدة: ٦].. هل هو الجِماع، أو الجس باليد؟ فالأول تفسير لقراءة: "لامستم"، والثانى لقراءة: "لمستم" ولا اختلاف.
هذه هى الأوجه بواسطتها نستطيع أن نجمع بين أقوال السَلَف التى تبدو متعارضة. أما ما جاء عنهم من اختلاف فى التفسير ويتعذر الجمع بينه بواحد من الأمور السابقة - وهذا أمر نادر، أو اختلاف مخفف كما يقول ابن تيمية - فطريقنا فيه: أن ننظر فيمن نُقِل عنه الاختلاف، فإن كان عن شخص واحد واختلفت الروايتان صحة وضعفاً، قُدِّم الصحيح وتُرِك ما عداه، وإن استوينا فى الصحة وعرفنا