أخرجه البخارى عن ابن عباس، وفيه يُشدِّد - رضى الله عنه - النكير على مَن يأخذون من أهل الكتاب ويُصدِّقونهم فى كل شئ، فهل يُعقل بعد هذا، وبعد ما عرفناه من عدالة الصحابة وحرصهم على امتثال أوامر الله ورسوله، ومراجعة أبى هريرة لكعب الأحبار وعبد الله بن سلام، أن نعترف بتهاون الصحابة ومخالفتهم لتعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم!! اللهم إنَّا لا نقر ذلك ولا نرضاه.
وأما ما ذكره الأستاذ "جولدزيهر": من أن ابن عباس كان يرجع لرجل يسمى أبا الجلد غيلان بن فروة الأزدى فى تفسير القرآن، فعلى فرض صحة ذلك. فإنّا لا نكاد نُصدِّق أن ابن عباس كان يرجع إليه فى كل شئ، بل كان يرجع إليه فيسأله عن أشياء لا تعدو دائرة الجواز، وليس من شك فى ذلك بعد ما عرفتَ من شدة نكير ابن عباس على مَن كان يرجع لأهل الكتاب ويأخذ عنهم.
وأما ما اعتمد عليه هذا المستشرق فى دعواه هذه، من أن الطبرى عند تفسيره للفظ "البرق" فى قوله تعالى فى الآية (١٢) من سورة الرعد: ﴿هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً﴾.. نسب إلى ابن عباس أنه قال: إنَّ أبا الجلد يقول: إن معناه المطر فهو اعتماد لا يكاد ينهض بهذه الدعوى، لأن ما رواه ابن جرير رواه عن المثنى، قال: حدَّثنا حجاج، قال: حدَّثنا حماد، قال: أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم مولى ابن عباس قال: كتب ابن عباس إلى أبى الجلد يسأله عن البرق فقال: البرق: الماء" وهذا إسناد منقطع، لأن موسى بن سالم أبا جهضم لم يدرك ابن عباس، ولم يكن مولى له، وإنما كان مولى العباسيين، وروى عن أبى جعفر الباقر الذى كان بعد ابن عباس بمدة طويلة ولعل ما قاله ابن جرير من أنه مولى ابن عباس سهو منه، أو لعله خطأ وقع أثناء الطبع.
ثم إنَّ سؤال ابن عباس عن معنى البرق، ليس سؤالاً عن أمر يتعلق بالعقيدة أو الأحكام، وإنما هو سؤال يرجع إلى تعرف بعض ظواهر الكون الطبيعية، وليس فى هذا ما يجر إلى مخالفة الرسول ﷺ فى نهيه عن سؤال أهل الكتاب. على أن الحديث ليس فيه ما يدل على أن ابن عباس صدَّق أبا الجلد فيما قال، وكل ما فيه: أنه حكى قوله فى البرق.
وأما ما نُسِب لعبد الله بن عمرو بن العاص من أنه أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب اليهود فكان يُحدِّث منهما، فليس على إطلاقه، بل كان يُحَدِّث منهما فى