وهذا القسم غالبه مما ليس فيه فائدة تعود إلى أمر دينى، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب فى مثل هذا اختلافاً كثيراً، ويأتى عن المفسِّرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون فى مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعصا موسى من أى الشجر كانت، وأسماء الطيور التى أحياها الله لإبراهيم، وتعيين بعض البقرة الذى ضُرِب به قتيل بنى إسرائيل، ونوع الشجرة التى كلِّم الله منها موسى.. إلى غير ذلك مما أبهمه الله فى القرآن ولا فائدة فى تعيينه تعود على المكلَّفين فى ديناهم أو دينهم.
ثم إذا جاء شى من هذا القبيل - أعنى ما سكت عنه الشرع ولم يكن فيه ما يؤيده أو يفنده - عن أحد من الصحابة بطريق صحيح، فإن كان قد جزم به فهو كالقسم الأول، يُقبل ولا يُرد، لأنه لا يعقل أن يكون قد أخذه عن أهل الكتاب بعد ما علم من نهى رسول الله ﷺ عن تصديقهم. وإن كان لم يجزم به فالنفس أسكن إلى قبوله، لأن احتمال أن يكون الصحابى قد سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم، أو ممن سمعه منه، أقوى من احتمال السماع من أهل الكتاب، ولا سيما بعد ما تقرر من أن أخذ الصحابة عن أهل الكتاب كان قليلاً بالنسبة لغيرهم من التابعين ومَن يليهم.
أما إن جاء شئ من هذا عن بعض التابعين، فهو مما يُتوقف فيه ولا يُحكم عليه بصدق ولا يكذب، وذلك لقوة احتمال السماع من أهل الكتاب، لما عُرفوا به من كثرة الأخذ عنهم، وبُعْد احتمال كونه مما سُمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إذا لم يتفق أهل الرواية من علماء التفسير على ذلك، أما إن اتفقوا عليه. فإنه يكون أبعد من أن يكون مسموعاً من أهل الكتاب، وحينئذ تسكن النفس إلى قبوله والأخذ به. والله أعلم.
* *
* موقف المفسِّر إزاء هذه الإسرائيليات:
علمنا أن كثرة النقل عن أهل الكتاب بدون تفرقة بين الصحيح والعليل دسيسة دخلت فى ديننا واستفحل خطرها، كما علمنا أن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذِّبوهم" قاعدة مقرَّرة لا يصح العدول عنها بأى حال من الأحوال، وبعد هذا وذاك نقول: إنه يجب على المفسِّر أن يكون يقظاً إلى أبعد حدود اليقظة، ناقداً إلى نهاية ما يصل إليه النقاد من دقة وروية حتى يستطيع أن يستخلص من هذا الهشيم المركوم من الإسرائيليات ما يناسب روح القرآن، ويتفق مع العقل والنقل، كما يجب عليه أن لا يرتكب النقل عن أهل الكتاب إذا كان فى سُّنَّة نبينا ﷺ بيان لمجمل القرآن، فمثلاً حيث وجد لقوله


الصفحة التالية
Icon