روى عن النبى صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابناه: يوسف ومحمد، وعوف بن مالك، وأبو هريرة، وأبو بردة بن أبى موسى، وعطاء بن يسار، وغيرهم. وشهد مع عمر رضى الله عنه فتح بيت المقدس والجابية. ومات بالمدينة سنة ٤٣ هـ (ثلاث وأربعين من الهجرة)، وقيل غير ذلك. وقد عَدَّه بعضهم فى البدريين، أما ابن سعد فذكره فى الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وما بعدها.
* *
* مبلغه من العلم والعدالة:
أما مبلغه من العلم، فيكفى ما جاء فى الحديث البخارى السابق من إخباره عن نفسه: أنه أعلم اليهود وابن أعلمهم، وإقرار اليهود بين يدى رسول الله ﷺ بذلك. والحق أنه اشتهر بين الصحابة بالعلم، حتى لقد روى أنه لَّما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، فقال: أجلسونى... قال: إن العلم والإيمان عند أربعة رهط: عند عويمر أبى الدرداء، وعند سلمان الفارسى، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله ابن سلام الذى كان يهودياً فأسلم، فإنى سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: "إنه عاشر عشرة فى الجنة".
وليس عجيباً أن يكون عبد الله بن سلام فى هذه المكانة العالية من العلم بعد أن اجتمع لديه علم التوراة وعلم القرآن، وبعد أن امتزجت فيه الثقافتان اليهودية والإسلامية، ولقد نقل عنه المسلمون كثيراً مما يدل على علمه بالتوراة وما حولها، ونجد ابن جرير الطبرى ينسب إليه فى تاريخه كثيراً من الأقوال فى المسائل التاريخية الدينية، كما نجده يتجمع حول اسمه كثير من المسائل الإسرائيلية، يرويها كثير من المفسِّرين فى كتبهم.
ونحن أمام ما يُروَى عنه من ذلك لا نُزيِّف كل ما قيل، ولا نقبل كل ما قيل، بل علينا أن نعرض كل ما يُروَى عنه على مقياس الصحة المعتبر فى باب الرواية، فما صح قبلناه، وما لم يصح رفضناه.
هذا.. وإنَّا لا نستطيع أن نتهم الرجل فى علمه، ولا فى ثقته وعدالته، بعد ما علمتَ أنه من خيار الصحابة وأعلمهم، وبعد ما جاء من آيات القرآن، وبعد أن اعتمده البخارى وغيره من أهل الحديث، كما أننا لم نجد من أصحاب الكتب التى بين أيدينا مَن طعن عليه فى علمه، أو نسب إليه من التهم مثل ما نسب إلى كعب الأحبار ووهب بن منبِّه.
* * *
٢- كعب الأحبار
* ترجمته:
هو أبو إسحاق، كعب بن ماتع الحميرى، المعروف بكعب الأحبار، من آل ذى رعين، وقيل: من ذى الكلاع، وأصله من يهود اليمن، ويقال: إنه أدرك الجاهلية وأسلم فى خلافة أبى بكر، وقيل: فى خلافة عمر، وقيل: إنه أسلم فى عهد النبى ﷺ وتأخرت هجرته، وقال ابن حجر فى الفتح: إن إسلامه فى خلافة عمر أشهر، وبعد إسلامه انتقل إلى المدينة، وغزا


الصفحة التالية
Icon