اتهام الأستاذ أحمد أمين لكعب:
ولكننا نجد الأستاذ أحمد أمين - رحمه الله - يحاول أن يغض من ثقة كعب وعدالته، بل ودينه، فنراه يوجه إليه من التهم ما نعيذ كعباً من أن يلحقه شئ منها، وذلك حيث يقول: "وقد لاحظ بعض الباحثين، أن بعض الثقات كابن قتيبة والنووى لا يروى عنه أبداً، وابن جرير الطبرى يروى عنه قليلاً، ولكن غيرهم كالثعلبى، والكسائى ينقل عنه كثيراً فى قصص الأنبياء، كقصة يوسف، والوليد بن الريَّان وأشباه ذلك، ويروى ابن جرير أنه جاء إلى عمر بن الخطاب قبل مقتله بثلاثة أيام وقاله له: اعهد فإنك ميت فى ثلاثة أيام، قال: وما يدريك؟ قال: أجده فى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ.. فى التوراة قال عمر: إنك لتجد عمر بن الخطاب فى التوراة! : قال: اللَّهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك وأنه قد فنى أجلك".
ثم قال الأستاذ أحمد أمين: "وهذه القصة إن صحَّت دلَّت على وقوف كعب على مكيدة قتل عمر، ثم وضعها هو فى هذه الصيغة الإسرائيلية، كما تدلنا على مقدار اختلافه فيما ينقل".
ثم قال: "وعلى الجملة فقد دخل على المسلمين من هؤلاء وأمثالهم - يريد كعباً ووهباً وغيرهما من أهل الكتاب - فى عقيدتهم وعلمهم كثير كان له فيهم أثر غير صالح".
* تفنيد هذا الاتهام:
ونحن مع الأستاذ فى قوله: "وهذه القصة، إن صحَّت دلَّت على وقوف كعب على مكيدة قتل عمر، ثم وضعها هو فى هذه الصيغة الإسرائيلية" ولكن لسنا نعتقد صحة هذه القصة، ورواية ابن جرير لها لا تدل على صحتها، لأن ابن جرير - كما هو معروف عنه - لم يلتزم الصحة فى كل ما يرويه، والذى ينظر فى تفسيره يجد فيه مما لا يصح شيئاً كثيراً، كما أن ما يرويه فى تاريخه لا يعدو أن يكون من قبيل الأخبار التى تحتمل الصدق والكذب، ولم يقل أحد بأن كل ما يُذكر فى كتب التاريخ ثابت صحيح.
ثم إنَّ ما يُعرف عن كعب الأحبار من دينه، وخُلُقه، وأمانته، وتوثيق أكثر أصحاب الصحاح له، يجعلنا نحكم بأنَّ هذه القصة موضوعة عليه، ونحن ننزه كعباً عن أن يكون على علم بمكيدة قتل عمر وما دُبِّرَ من أمرها، ثم لا يذكر لعمر مَن يُدبِّر له القتل ويكيد له، كما ننزهه عن أن يكون كذَّاباً وضَّاعاً، يحتال على تأكيد ما يُخبَر به بنسبته إلى التوراة وصوغه فى قالب إسرائيلى.
وأما قوله: "وعلى الجملة فقد دخل على المسلمين من هؤلاء وأمثالهم فى عقيدتهم